الشفعة في العقارات المحفظة.. جعل أجل الشفعة في حالة حضور الشريك مجلس العقد شهران من تاريخ تسجيل البيع في الرسم العقاري لتفادي التعارض مع قواعد التحفيظ العقاري



إن ما يمكن استخلاصه من خلال دراسة الشفعة في هذا النظام هو أن مشرع ظهير 19 رجب 1333هـ- موافق 2 يونيو 1915م، المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة اكتفى بوضع قواعد مجملة احتوتها فصول قليلة رغم ما يثيره تطبيق نظام الشفعة من إشكالات عديدة كما، أنه سكت عن تنظيم العديد من المسائل التي تعتبر من صميم موضوع الشفعة مثل عدم تنظيمه للإجراءات المسطرية لممارسة الشفعة أمام القضاء، وكذلك عدم بيان الحالات التي تسقط فيها الشفعة، فضلا عن عدم بيان مصير التصرفات التي يقيمها المشتري على العقار المشفوع بالإضافة إلى وجود نوع من التعارض بين قواعد التحفيظ العقاري وبعض الفصول المنظمة للشفعة في العقار المحفظ إذ نجد الفصل 32 من ظهير 2 يونيو 1915 الذي نص على أجل شهرين لممارسة الشفعة إذا حضر الشريك مجلس العقد، فالشريك الذي حضر مجلس العقد ولم يقع تبليغ الشراء إليه يكون له أجل شهرين لاستشفاع الحصة المبيعة ابتداء من تاريخ العقد ولو كان البيع لم يسجل بعد في الرسم العقاري، ومما لاشك فيه أن ذلك يتعارض مع قواعد التحفيظ العقاري ( الفصلان 66 و 67 من ظهير 12-8-1913) التي تقضي أنه لا وجود لأي حق عيني عقاري ولو بين الأطراف إلا من تاريخ تسجيله في الرسم العقاري.
بالإضافة إلى أن أجل الثلاثة أيام الذي ينص عليه الفصل 31 من ظهير 2 يونيو 1955 يعتبر أجل قصير بالمقارنة مع طول الإجراءات القضائية التي تتسم بالبطء، فأجل ثلاثة أيام نادرا ما يسع للقيام بإجراءات الشفعة من تبليغ المشتري رغبة الشفيع في الأخذ بالشفعة وعرض الثمن وتوابعه عليه عرضا حقيقيا ومباشرة الإيداع، فهذه الإجراءات كلها تتسم بالتعقيد ولا يحسن عموم الناس القيام بها إن لم نقل أنهم يجهلونها، وفرض القيام بها داخل أجل قصير من شانه لا محالة أن يؤدي الى ضياع حق الشفيع في الشفعة.
كما أن المشرع لم يحدد شكليات خاصة لمباشرة التبليغ، أي الطريقة القانونية التي يتعين على المشتري إتباعها عند قيامه بإعلام الشفيع بالبيع الأمر الذي جعل كل الطرق متاحة ومقبولة سواء عن طريق كتابة الضبط أو عن طريق رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل أو أية وسيلة أخرى.
ولا يخفى على أحد أن هذا الغموض سيؤدي إلى العديد من الصعوبات التطبيقية، إضافة إلى السماح للأطراف باختيار الطريقة القانونية التي يريدونها سيكون لا محالة للتحايل والتواطؤ بين البائع والمشتري لحرمان الشفيع من ممارسة حقه في الشفعة وهو ما سيؤدي حتما إلى مشاكل في التطبيق وخاصة وان الآجال المنصوص عليها قصيرة لا تتناسب مع الإجراءات الشفعة كما سبق ورأينا.
كل هذه الثغرات التي يعرفها ظهير 2 يونيو 1915 تنعكس على موقف القضاء خاصة المجلس الأعلى إذ نجده يتخذ متناقضة وغير مستقرة ولو في الموضوع الواحد، منها موقفه بخصوص البيع غير المسجل في الرسم العقاري، فثارة نجده يقول بجواز الشفعة في البيع غير المسجل وتارة أخرى نجده يتراجع عن موقفه للقول بعدم جوازها.
وأمام هذا الفراغ التشريعي الذي يعتري ظهير 19 رجب فان القضاة يكونون مضطرين إلى الرجوع إلى قواعد الفقه الإسلامي-  باعتباره المصدر الرسمي للشفعة- للاستهداء بها لتفصيل ما جاء مجملا وتكميل ما جاء ناقصا، على أن يكون الضابط الوحيد هو عدم وجود تعارض بين القواعد المذكورة ومقتضيات الظهير المذكور.
من أجل تجاوز كل ما ذكر نناشد المشرع بتعديل بعض الفصول التي تعرف بعض الغموض، وإضافة نصوص جديدة تنظم المقتضيات التي تم إغفالها في ظهير 2 يونيو 1915 لتفادي الفراغ التشريعي وبالتالي جمع شتات الفصول المنظمة للشفعة في العقار المحفظ في ترسانة قانونية قوية قادرة على مواكبة التطور التي يعرفه المجال الاقتصادي، نظرا للأهمية البالغة التي أصبحت الملكية العقارية تضطلع بها.
لذلك نناشد المشرع بالتدخل للزيادة في أجل ثلاثة أيام المحدد لممارسة الشفعة والمنصوص عليه في الفصل 31 من الظهير أعلاه.
كما نناشد المشرع أيضا بالتدخل لتعديل الفصل 32 منه من نفس الظهير، وذلك بجعل أجل الشفعة في حالة حضور الشريك مجلس العقد شهران من تاريخ تسجيل البيع في الرسم العقاري، وذلك لتفادي التعارض مع قواعد التحفيظ العقاري التي تقتضي أن أي حق عيني عقاري ولو بين الأطراف لا وجود له إلا من تاريخ تسجيله في الرسم العقاري.
كما نطالب أيضا بالتنصيص على تحديد الطريقة التي يجب بها تبليغ الشراء إلى الشفيع وذلك لتفادي التواطؤ بين البائع والمشتري على حرمان الشفيع من حقه، وذلك بجعل التبليغ بطريقة محددة من قبل المشرع وغير متروكة لإرادة الأطراف.
كما يجب أيضا تفصيل الآثار المترتبة عن الشفعة نظرا لأهميتها، خاصة تحديد العلاقة بين الأطراف الثلاثة لمعرفة حقوق والتزامات كل طرف.
هذا فضلا عن ضرورة تحديد الوقت الذي تنتقل فيها الملكية إلى الشفيع لما لذلك من أهمية بالغة لتحديد تبعة الهلاك.
إن هدفنا من اقتراح تعديل ظهير 2 يونيو 1915 يبرره الأهمية القصوى لموضوع الشفعة وما يثيره من إشكالات، إذ نجد ساحة القضاء تعرف عددا هائلا من هذه الدعاوى لذلك نأمل المشرع حين إصداره  لمشروع القانون 19.01 المتعلق بمدونة الحقوق العينية أن يضع نصب عينه الثغرات التي عرفها ظهير 2 يونيو 1915 حتى يحقق نظام الشفعة الأهداف المرجوة من وراء إقراره.
وفي الختام إن ما يمكن قوله عن موضوع الشفعة - سواء في العقار المحفظ أو غير المحفظ -  أنه يعد من المواضيع التي حظيت باهتمام جل التشريعات و حظيت باهتمام الفقهاء نظرا لأهميتها الكبيرة.
إلا أن الشفعة رغم ذلك تظل قيدا على حرية المالك في التصرف في ملكه لأنها تعد استثناء من الأصل الذي هو حرية الشخص في التصرف في ملكه كما يشاء لذلك يجب عدم التوسع في تفسير نصوصها و استعمالها في أضيق الحدود.


مواضيع قد تفيدك: