الحاج التهامي الأوبيري الحمري: منارة علمية وصوفية من منطقة أحمر
يُعد الحاج التهامي الأوبيري الحمري، المعروف بصلاحه وعلمه في منطقة أحمر، شخصية محورية في تاريخ المغرب خلال الثلث الأول من القرن التاسع عشر الميلادي. وُلد في الربع الأول من القرن الثامن عشر الميلادي بزاويته التي حملت اسمه لاحقًا، وهي زاوية الحاج التهامي. لم يكن مجرد رجل دين، بل كان عالمًا موسوعيًا وفقيهًا ومؤرخًا ورحالة وشاعرًا وأديبًا، تاركًا بصمة عميقة في المشهد الثقافي والديني لعصره.
مساره التعليمي وتكوينه العلمي:
شهد المسار التعليمي للحاج التهامي تنوعًا جغرافيًا وعلميًا كبيرًا، مما أسهم في تكوينه كعالم متعدد التخصصات:
- البدايات المحلية: تلقى الحاج التهامي علومه الأولية في زاويتهم، حيث اكتسب المعارف الدينية الأساسية وغرس بذور شغفه بالعلم.
- الرحلة العلمية داخل المغرب: لم يكتفِ بالتعليم المحلي، بل وسع آفاقه بالانتقال إلى مراكز علمية مغربية أخرى، حيث درس في مدارس عبدة ودكالة والشياظمة.
- التكوين في مراكش: كانت محطته التالية مدينة مراكش، التي كانت آنذاك مركزًا علميًا مزدهرًا. هناك، تتلمذ على يد كبار أساتذتها وعلمائها، ومن أبرزهم:
- الشيخ أحمد بن الطاهر الأندلسي.
- الشيخ مولاي علي البوعناني.
- الشيخ سيدي أحمد الشاوي. تلقى عنهم علومًا شتى، مما صقل معارفه وأثرى تجربته العلمية.
- الانتقال إلى فاس: من مراكش، انتقل الحاج التهامي إلى فاس، التي كانت تُعد عاصمة المغرب العلمية والفكرية بامتياز. هناك، استزاد من علم أهم أعلامها وشيوخها، منهم:
- العلامة الشيخ التاودي.
- العلامة محمد بن عبد السلام الفاسي.
- الشيخ الطيب بن كيران.
- الشيخ محمد بن الطاهر الهواري.
- الشيخ العربي بنيس. لقد كان لتلقيه العلم على أيدي هؤلاء الأعلام دور كبير في تعميق فهمه للعلوم الشرعية واللغوية وغيرها.
- الدراسة في المشرق: لم تتوقف رحلته العلمية عند حدود المغرب، بل امتدت إلى مصر والحجاز، حيث درس على يد مجموعة من كبار العلماء في المشرق، بما في ذلك:
- الشيخ علي الضرير.
- الشيخ حسن البصري الضرير.
- الشيخ عبد الله الشرقاوي، شيخ الشافعية. هذه الرحلات أثرت معارفه، وفتحت له آفاقًا جديدة في فهم العلوم الدينية، وخاصة الفقه، مما يدل على عزيمته وإصراره على طلب العلم من منابعه المختلفة.
مؤلفاته وإنتاجه العلمي:
ترك الحاج التهامي الأوبيري الحمري مجموعة قيمة من المؤلفات التي تُعد دليلًا ساطعًا على سعة علمه وثرائه المعرفي وتضلعه في الكثير من الميادين. لم يقتصر علمه على العلوم الدينية فحسب، بل شمل أيضًا: الفقه، والأدب، والنحو، والتاريخ، والحساب، بالإضافة إلى إلمامه بمختلف العلوم الدينية الأخرى. هذا التنوع في اهتماماته يعكس شخصيته الموسوعية.
من أبرز مؤلفاته التي وصلت إلينا:
"إتحاف الخل المواطي ببعض مناقب الإمام السكياطي": يُعد هذا الكتاب من أعماله الهامة، وقد خصصه لـترجمة رفيقه عبد الله بن علي بن مسعود الرجراجي السكياطي. يتميز هذا المؤلف بكونه لم يقتصر على مجرد ترجمة موجزة، بل استوعب التعريف بالإمام السكياطي مع استطرادات مفيدة امتدت إلى حوالي ثلث الكتاب. بعد ذلك، تطرق الحاج التهامي إلى ذكر شيوخ المترجم (الإمام السكياطي) في مراكش وما حولها، وكذلك في فاس، وقدم تعريفات موجزة أو موسعة لهؤلاء الشيوخ، مما يجعله مصدرًا قيمًا للمعلومات التاريخية والعلمية عن تلك الفترة.الحاج التهامي: منارة تحتاج إلى اكتشاف أعمق
يظل محمد التهامي بن محمد بن امبارك بن مسعود الأوبيري الحمري رمزًا للعلم والصلاح، وشخصية فذة في تاريخ منطقة أحمر والمغرب بأسره خلال الثلث الأول من القرن التاسع عشر. فبصفته الفقيه والمؤرخ والرحالة والشاعر والأديب، يمثل الحاج التهامي منارة علمية ودينية تستحق المزيد من الاهتمام والبحث.
إن إرثه العلمي الغني، وخاصة مؤلفاته التي تدل على عمق فهمه واتساع معارفه، تحتاج إلى التعريف بها أكثر، وإلى التنقيب عنها واستخراجها من بطون المخطوطات. فإعادة إحياء أعماله ودراستها يمكن أن تُلقي ضوءًا جديدًا على تاريخ العلم والفقه والأدب في المغرب خلال تلك الفترة، وتُقدم نموذجًا للعالم الملتزم بطلب العلم ونشره لخدمة مجتمعه.
ليست هناك تعليقات