مسؤولية المراجع عن فرض الاستمرارية: تقييم الشكوك الجوهرية، المؤشرات الدالة، وآليات الإفصاح في تقرير المراجعة لضمان الشفافية المالية

معيار مسؤولية المراجع عن استمرارية المنشأة: فهم الدور والحدود

يُعد فرض الاستمرارية (Going Concern Assumption) أحد الفروض المحاسبية الجوهرية التي تُبنى عليها إعداد القوائم المالية للمنشآت. يفترض هذا الفرض أن المنشأة ستستمر في عملياتها التشغيلية في المستقبل المنظور دون نية أو حاجة لتصفية أعمالها أو تخفيض حجم عملياتها بشكل جوهري. بناءً على هذا الفرض، يتم تقييم الأصول والالتزامات وتسجيل الإيرادات والمصروفات.

عندما يقوم المراجع الخارجي بمراجعة القوائم المالية، فإن أحد جوانب تقريره يتضمن إبداء رأيه حول ما إذا كانت هذه القوائم تُعطي فكرة عادلة وصادقة عن المركز المالي للمنشأة ونتائج أعمالها. وهذا الرأي يعتمد بشكل كبير على الافتراض بأن المنشأة قادرة على الاستمرار.


طبيعة مسؤولية المراجع وحدودها

من الضروري التأكيد على أن مهمة المراجع ليست ضمان مستقبل المنشأة أو التنبؤ بفشلها. دور المراجع ينحصر في تقييم مدى ملاءمة استخدام فرض الاستمرارية من قبل الإدارة عند إعداد القوائم المالية، بناءً على الأدلة المتاحة له في تاريخ تقرير المراجعة. لا يمتد دور المراجع إلى التنبؤ بالظروف المستقبلية التي قد تؤثر على بقاء المنشأة.

فالمراجع لا يُقدم تأكيدًا مطلقًا بأن المنشأة ستستمر في عملها إلى الأبد. بل يقوم بتقييم ما إذا كانت هناك شكوك جوهرية (Material Uncertainty) حول قدرة المنشأة على الاستمرار. هذه الشكوك قد تنشأ من أحداث أو ظروف قد تُلقي بظلالها على قدرة المنشأة على الوفاء بالتزاماتها عند استحقاقها.


مؤشرات استمرارية المنشأة ودور المراجع فيها:

يستعين المراجع بمجموعة من المؤشرات التي تُساعده على تقييم وجود شكوك جوهرية حول استمرارية المنشأة. هذه المؤشرات يمكن تصنيفها بشكل عام إلى:


1. المؤشرات المالية:

  • المركز المالي السلبي الصافي أو صافي الالتزامات الجاري سدادها: يشير إلى أن التزامات المنشأة تفوق أصولها، أو أن التزاماتها قصيرة الأجل تتجاوز أصولها المتداولة بشكل كبير.
  • الخسائر التشغيلية الكبيرة والمستمرة: تراكم الخسائر يُضعف حقوق الملكية ويُقلل من قدرة المنشأة على توليد التدفقات النقدية اللازمة للاستمرار.
  • التدفقات النقدية التشغيلية السلبية: عدم قدرة الأنشطة الرئيسية للمنشأة على توليد سيولة كافية لسداد الالتزامات.
  • عدم القدرة على سداد الديون عند استحقاقها: مثل الإخلال بشروط القروض أو عدم القدرة على دفع الفوائد.
  • عدم القدرة على الحصول على تمويل جديد: يعكس عدم ثقة المقرضين أو المستثمرين في مستقبل المنشأة.
  • مؤشرات نسب مالية سلبية: تدهور نسب السيولة والملاءة المالية.

2. المؤشرات التشغيلية:

  • فقدان الإدارة الرئيسية بدون بديل: رحيل أشخاص ذوي كفاءة عالية أو أصحاب الخبرة الأساسيين.
  • فقدان سوق رئيسي، ترخيص، أو مورد رئيسي: مثل خسارة عقود كبيرة، انتهاء تراخيص ضرورية للعمل، أو فقدان مورد أساسي للمواد الخام.
  • نقص في المنتجات الجديدة أو التكنولوجيا المحدثة: عدم مواكبة التطورات في الصناعة.
  • مشاكل في علاقات العمل: إضرابات عمالية كبيرة أو خلافات مستمرة.

3. المؤشرات الأخرى:

  • عدم الامتثال للمتطلبات التنظيمية أو القانونية: مثل انتهاك القوانين البيئية أو قوانين العمل، مما قد يؤدي إلى غرامات ضخمة أو إغلاق الأنشطة.
  • الدعاوى القضائية المعلقة ذات الآثار السلبية المحتملة: قضايا قانونية قد تُكبد المنشأة خسائر مالية فادحة.
  • التغيرات التشريعية أو السياسية غير المواتية: مثل فرض ضرائب جديدة، أو تغييرات في سياسات التجارة تؤثر سلبًا على القطاع.
  • الكوارث الطبيعية أو الأوبئة: التي قد تُعطل العمليات بشكل كبير.

مسؤولية المراجع عند وجود شكوك جوهرية:

إذا اكتشف المراجع، بناءً على هذه المؤشرات والأدلة التي جمعها، شكوكًا جوهرية حول قدرة المنشأة على الاستمرار، فإن معيار المراجعة يتطلب منه القيام بالآتي:

  1. طلب خطة عمل من الإدارة: يطلب المراجع من الإدارة توضيح خططها لمعالجة هذه الشكوك وتحسين الوضع، مثل خطط إعادة الهيكلة، الحصول على تمويل جديد، أو بيع الأصول.
  2. تقييم خطة الإدارة: يقوم المراجع بتقييم مدى واقعية وموثوقية خطط الإدارة وقدرتها على تخفيف الشكوك الجوهرية.
  3. الإفصاح في تقرير المراجعة: في حال وجود شكوك جوهرية حول قدرة المنشأة على الاستمرار، يجب على المراجع أن يُفصح عنها بوضوح في تقريره. يختلف شكل هذا الإفصاح بناءً على مدى كفاية الإفصاحات التي قامت بها الإدارة في القوائم المالية نفسها:

  • تعديل الرأي مع "فقرة انتباه" أو "تأكيد مسألة": إذا كانت الإدارة قد أفصحت بشكل كافٍ عن هذه الشكوك في إيضاحات القوائم المالية، فإن المراجع يُصدر رأيًا غير متحفظ مع إضافة فقرة خاصة (تُسمى غالبًا "فقرة انتباه" أو "تأكيد مسألة") لتسليط الضوء على هذه الشكوك.
  • رأي متحفظ أو رأي سلبي (عكسي): إذا لم تقم الإدارة بالإفصاح الكافي عن هذه الشكوك، أو إذا رأى المراجع أن فرض الاستمرارية غير مناسب بالمرة، فإنه يُصدر رأيًا متحفظًا أو رأيًا سلبيًا (عكسيًا)، موضحًا الأسباب.
  • الامتناع عن إبداء الرأي: في حالات نادرة حيث تكون الشكوك كبيرة جدًا لدرجة تمنع المراجع من إبداء رأي ذي معنى.

إن مسؤولية المراجع في هذا السياق تُعد حماية للمستثمرين والدائنين وغيرهم من مستخدمي القوائم المالية، من خلال تزويدهم بمعلومات حيوية قد تؤثر على قراراتهم الاقتصادية. فالمراجع لا يتنبأ بالمستقبل، بل يُلقي الضوء على المخاطر الراهنة التي قد تُهدد استمرارية المنشأة، مما يُمكن الأطراف المعنية من اتخاذ قرارات مستنيرة.

ليست هناك تعليقات

جميع الحقوق محفوظة لــ وريقات 2015 ©