مملكة المسبعات في كردفان (القـرنان 15-19): دراسة في النشأة العربية، الصراعات الإقليمية (الفور والفونج)، والسقوط أمام الغزو التركي

مملكة المسبعات في كردفان: النشأة، الصراعات الداخلية، والسقوط أمام الغزو التركي

تُعد مملكة المسبعات إحدى الكيانات السياسية الهامة التي نشأت في قلب السودان، وتحديداً في إقليم كردفان الشاسع. يوفر تاريخ هذه المملكة نافذة على الديناميكيات القبلية والسياسية التي سادت المنطقة قبل مرحلة الحكم الثنائي.


أولاً: نشأة المملكة وعاصمتها

نشأت مملكة المسبعات في بيئة جغرافية حيوية، وتُرجّح الروايات التاريخية قيامها في الفترة الممتدة بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين.

  • المؤسسون والأصول: يعود الفضل في تأسيس هذه المملكة إلى مجموعات عربية قادمة، والتي هاجرت واستقرت في إقليم كردفان، لتندمج وتؤسس كياناً سياسياً مستقلاً.
العاصمة: اتخذت المملكة من مدينة الأبيض مقراً وعاصمة لها، مما منحها أهمية استراتيجية ومركزية في إدارة الإقليم.

ثانياً: الصراع الدائم وغياب الاستقرار السياسي

لم تنعم مملكة المسبعات بالاستقرار السياسي طويلاً، إذ كان تاريخها عبارة عن سلسلة متواصلة من النزاعات والحروب الداخلية. كان الهدف الأساسي من هذه الصراعات هو السيطرة المطلقة على إقليم كردفان الحيوي.

  • أطراف الصراع: كانت هذه النزاعات تدور بشكل أساسي بين ثلاث قوى رئيسية متنافسة:

  1. المسبعات (أصحاب المملكة): يسعون للحفاظ على سيطرتهم.
  2. الفور: قوة إقليمية كبرى من الغرب.
  3. الفونج: قوة ذات نفوذ من الشرق (مملكة سنار).
  • النتائج: أدت حالة الحرب المستمرة وعدم اليقين السياسي إلى غياب الاستقرار السياسي المنظم داخل المملكة. ونتج عن ذلك انعدام أو ضعف في بناء:
  1. هيكل إداري مستدام.
  2. أنظمة ومؤسسات سياسية راسخة وفعالة، بغض النظر عن شكلها أو مضمونها.

ثالثاً: السقوط أمام الغزو التركي (1821م)

تُعد مملكة المسبعات ذات أهمية تاريخية خاصة لكونها أول مملكة سودانية تصل إلى عاصمتها جيوش الغزو التركي-المصري في حملة محمد علي باشا.

  • المواجهة البطولية: جرت المقاومة الشجاعة بقيادة ملكها، المقدوم مسلم، الذي رفض الخضوع وقاد المواجهة العسكرية الحاسمة ضد قوات الغزو.
  • معركة بارا: وقعت هذه المعركة الشهيرة في عام 1821م، وبالرغم من المقاومة، تمكن الجيش التركي-المصري من إخضاع المملكة والسيطرة على العاصمة الأبيض، منهياً بذلك استقلال مملكة المسبعات.

رابعاً: تحرير الأبيض ودورها في الدولة المهدية

بعد سقوط المملكة ودخولها تحت نير الحكم التركي-المصري، عادت مدينة الأبيض لتلعب دوراً محورياً بعد عقود من السيطرة الأجنبية.

  • التحرير المهدي: في عام 1883م، تمكنت قوات جيش الأنصار التابعة للثورة المهدية من تحرير الأبيض من قبضة الحكم الثنائي (التركي-المصري).
  • التبعية للدولة المهدية: ظلت مدينة الأبيض وإقليم كردفان تابعين للدولة المهدية الوليدة، وأصبحا جزءاً لا يتجزأ من الكيان السياسي الجديد.
  • النهاية والاستعمار: استمر هذا الوضع حتى عام 1898م، عندما وصل الإنجليز وأخضعوا السودان بالكامل، لينتقل الإقليم بعد ذلك إلى عهد الاستعمار البريطاني.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال