زاوية آسا بين جدل التأسيس وهجرة الأحفاد: تحليل تاريخي لمؤسسيها، كرامات "يعزى ويهدى"، وتفسير انتشار الطريقة الصوفية في سوس الأقصى

زاوية آسا: جدل التأسيس وهجرة أبناء "يعزى ويهدى" الصوفية

تُعد زاوية آسا معلمة تاريخية ودينية بارزة، لكن مسألة تأسيسها ومؤسسها الحقيقي لا تزال مثار جدل وتضارب في الآراء بين المصادر المختلفة، سواء كانت شفوية أو مكتوبة. هذا التضارب يُلقي بظلاله على فهمنا لجذور هذه الزاوية وأصولها.


تضارب الآراء حول مؤسس زاوية آسا:

تُقدم الروايات التاريخية والأبحاث مجموعة من الفرضيات حول مؤسس زاوية آسا:

  • الرواية الشفوية الأولى: سيدي محمد الشبكي: تُشير بعض الروايات الشفوية إلى أن مؤسس الزاوية هو سيدي محمد الشبكي. يُعتقد أنه وصل إلى المنطقة في وقت مبكر جدًا، تحديدًا سنة 130 هـ الموافق 748 م. يُعتبر سيدي محمد الشبكي أحد أئمة الإسلام، ويُقال إنه استقر بناحية "تكردات" بناءً على طلب قبيلة إداوقيس، بهدف تعليمهم شعائر الدين الإسلامي. هذه الرواية، كما يشير إليها مصطفى ناعيمي، تُقدم تصورًا لتأسيس مبكر للزاوية، مرتبطًا بنشر الإسلام في المنطقة.
  • رأي دوفورست: سيدي قيس بن صالح: في المقابل، يرى الباحث دوفورست (Defurst) أن مؤسس الزاوية هو "سيدي قيس بن صالح"، الذي تُوفي سنة 500 هجرية. هذا الرأي يُقدم تاريخًا أحدث نسبيًا للتأسيس مقارنةً برواية سيدي محمد الشبكي، ويُشير إلى شخصية أخرى كمؤسس للزاوية.
  • الرأي الأغلب: العلامة يعزى ويهدى: لكن الأغلبية الساحقة من المصادر المكتوبة والروايات المتواترة تتفق على أن مؤسس زاوية آسا هو "العلامة يعزى ويهدى". تُشير هذه المصادر إلى أنه وُلد بمدينة مراكش سنة 646 هـ، في دار الأمير يعقوب المنصور الموحدي. ورغم ولادته في مراكش، فإن مستقره ووطنه الأصلي هو بلد آسا، مما يُفسر ارتباطه بهذه المنطقة.

الاسم الحقيقي والكرامات المنسوبة إلى يعزى ويهدى:

يُضيف المؤلف "المعسول" تفاصيل حول الاسم الحقيقي لمؤسس الزاوية، حيث يُوضح أن اسمه الحقيقي هو محمد، وهو نفس اسم أبيه. ويُشير النص إلى أن كنيته هي "أبو يعزى" ولقبه "ويهدى"، ولهذا اشتُهر بلقب "أبو يعزى ويهدى"، مع إشارة إلى أن الله تعالى "قَارَنَ اسْمَهُ بِالهِدَايَةِ وَجَعَلَهُ مِمَّنِ اهْتَدَى". هذا التوضيح يُزيل اللبس حول اسمه المتداول ويُقدم بعدًا روحيًا مرتبطًا بلقبه.

تذكر وثيقة الشيخ محمد بن سعيد المرغيتي مجموعة من الكرامات الخارقة التي نُسبت إلى مؤسس الزاوية، مما يُعزز مكانته الروحية والقدسية في أذهان أتباعه. من هذه الكرامات البارزة:

  • إخراج الماء من كل مكان ينزل به: يُروى أن الله "جَعَلَهُ هُوَ وَذُرِّيَتَهُ عَلَى سَائِرِ المَاءِ الخَفِيِّ تَحْتَ الأَرْضِ"، مما يُشير إلى قدرة روحية على استخراج الماء في الأماكن القاحلة، وهي كرامة ذات أهمية بالغة في بيئة صحراوية.
  • التحلي بالعلم الظاهر والباطن: بالإضافة إلى القدرات الخارقة، يُعتقد أن الله "أَعْطَاهُمْ [هو وذريته] العِلْمَ الظَاهِرَ وَالبَاطِنَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَسْرَارِ"، مما يُبرز مكانته العلمية والروحية العالية.

ازدهار الزاوية ثم هجرة الأبناء والأحفاد:

لقد استقطبت زاوية آسا، بفضل مؤسسها وكراماته وعلمه، مجموعة كبيرة من التلاميذ والمريدين والأتباع من مختلف المناطق. أصبحت الزاوية مركزًا إشعاعيًا لتعليم القرآن الكريم والمبادئ الصوفية ونشر الفكر الديني.

لكن بعد وفاة مؤسس الزاوية، حدث تطور ملحوظ: تفرق أولاده وأحفاده في منطقة سوس الأقصى. لم يقتصر هذا التفرق على انتشارهم الجغرافي، بل أسسوا في الأماكن التي استقروا بها مدارس ورباطات جديدة بهدف حفظ القرآن وتعليم المبادئ الصوفية، مما يُشير إلى استمرارية المنهج الصوفي ونشره خارج نطود الزاوية الأم.


سبب هجرة أبناء وأحفاد يعزى ويهدى: الدافع الديني والتصادم القبلي

يبقى السؤال المطروح هو ما سبب هذه الهجرة والتفرق لأبناء وأحفاد يعزى ويهدى؟ يُمكن تفسير هذا التشبت بالانتشار وهجرة الأبناء إلى ما هو أبعد من مجرد البحث عن أراضٍ جديدة. فالراجح أن وراء هذه الهجرة أهداف وأبعاد دينية عميقة تتمثل أساسًا في نشر طريقة يعزى ويهدى الصوفية. فالتوسع الجغرافي كان وسيلة لتعميم المنهج الروحي للزاوية.

لكن هناك رواية شفوية تُقدم تفسيرًا آخر، يُضيف بُعدًا مأساويًا لهذه الهجرة، يُشير إلى تصادم قبلي عنيف:

  • كان أكراريم من آل يعزى ويهدى مستقرين في موقع يُدعى الخربة، ولا تزال آثاره واضحة حتى اليوم.
  • أتى عندهم وفد من قبيلة آيت أوسا، فاستضافوهم كعادة أهل الكرم.
  • خلال هذه الاستضافة، تم تدبير مؤامرة ضد الضيوف. فالمتعارف عليه في التقاليد أن الضيف يُسلم سلاحه للمستضيف. فتم استغلال هذا التقليد حيث تم إفراغ مادة سائلة في أسلحة الوفد، مما جعلها غير صالحة للاستخدام، باستثناء عنصرين من الوفد لم تُفرغ أسلحتهما.
  • بعد مغادرة الوفد، تم اللحاق بهم ومحاصرتهم من طرف أكراريم والقضاء عليهم، باستثناء العنصرين اللذين تمكنا من الفرار.
  • ردًا على هذه الواقعة، تحركت قبائل آيت أوسا من عاصمتهم "عوينة آيت أوسا" في اتجاه آسا.
  • قاموا بـمهاجمة آل يعزى ويهدى في عقر دارهم وأضرموا النار فيهم.

يُمكن أن يكون هذا الحدث المأساوي، الذي أدى إلى قتل وتشتيت آل يعزى ويهدى، هو الدافع القوي وراء هجرة الأبناء والأحفاد وتفرقهم في سوس الأقصى. فبعد هذا الهجوم، كان لزامًا عليهم البحث عن أماكن آمنة جديدة، مما أدى إلى انتشار فروع الزاوية وتأسيس مدارس ورباطات جديدة في مناطق متفرقة، لتُصبح هذه الهجرة جزءًا من استراتيجية البقاء ونشر طريقتهم الصوفية في مناطق أوسع.

ليست هناك تعليقات

جميع الحقوق محفوظة لــ وريقات 2015 ©