قبيلة الحويطات في سيناء: الدور التاريخي، الأهمية اللوجستية، والتحديات القبلية
تُعد قبيلة الحويطات، على الرغم من كونها أحدث عنصر قبلي انضم إلى النسيج الاجتماعي في شبه جزيرة سيناء، إحدى المكونات الأكثر ديناميكية وتأثيراً في تاريخ المنطقة الحديث. لقد نجحت هذه القبيلة في ترسيخ وجودها بسرعة عبر لعب أدوار حيوية في التجارة والأمن ضمن منطقة استراتيجية.
1. العمق الجغرافي ودلالة الاستيطان في وسط سيناء:
كون الحويطات تُوصف بأنها أحدث عنصر قبلي في سيناء، فهذا يشير إلى أنها أتت من موطنها الأصلي في شبه الجزيرة العربية واستقرت متأخرة نسبيًا مقارنة بالقبائل القديمة.
- الموقع الاستراتيجي: اختيارهم لـوسط سيناء لم يكن عشوائياً، بل كان قراراً استراتيجياً. فوسط سيناء يمثل نقطة التقاء لطرق القوافل القادمة من الحجاز عبر العقبة، وتلك المتجهة شمالاً إلى بلاد الشام، وغرباً إلى وادي النيل. هذا التموضع منحهم نفوذاً كبيراً في التحكم بمرور البضائع والأفراد.
- التمكين الحكومي: منح الحكومة المصرية لهم مهمة حراسة القوافل ونقل الحجاج لم يكن ليتم لولا استقرارهم في هذا الموقع الحاسم وقدرتهم على تنظيم تلك العملية اللوجستية المعقدة عبر مساحات صحراوية شاسعة، مما يؤكد على أن وجودهم كان ذا طابع وظيفي (وظيفي / أمني) لدولة محمد علي وخلفائه.
2. تحليل الأثر الاقتصادي لقوافل الحويطات الضخمة:
ما ذكره جون لويس بوركهارت عن قوافل الحويطات التي تتجاوز 4000 جمل ليس مجرد رقم، بل دلالة على عدة أمور:
- اقتصاديات الحجم: يشير هذا الحجم الهائل إلى أن قبيلة الحويطات كانت تدير عملية تجارية ضخمة ومنظمة، تتجاوز مستوى التجارة البدوية التقليدية إلى مستوى يعكس أهمية الطريق بين الحجاز ومصر كشريان اقتصادي رئيسي.
- تنوع البضائع: نقل سلع مثل الكشمير والملابس يشير إلى أنهم كانوا يتعاملون مع بضائع فاخرة وغالية الثمن، بينما نقل الحبوب والذرة يوضح دورهم في توفير الإمدادات الغذائية الأساسية للمنطقة، مما يمنحهم ثقلاً اقتصادياً مزدوجاً.
- الخدمات اللوجستية للحج: عملية نقل الحجاج تتطلب توفير مياه وطعام وأمن ومحطات استراحة للقوافل البشرية طوال الرحلة، وهذا يتطلب تنظيماً قبلياً داخلياً متفوقاً ومهارة في إدارة الموارد في بيئة صحراوية قاسية.
3. التخصص الاقتصادي ونزاع الدبور (1906):
- تجارة الفحم كنشاط متخصص: بروز عشيرة الدبور في تجارة الفحم مع تجار السويس يوضح التكيف الاقتصادي للقبيلة مع متطلبات العصر الصناعي الناشئ وحركة الملاحة. حيث كان الفحم في تلك الفترة (أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين) وقوداً حيوياً للقاطرات البخارية والمصانع والسفن في منطقة قناة السويس ومدينة السويس. هذا التخصص ربط العشيرة مباشرة بالاقتصاد الحديث وليس فقط بالاقتصاد البدوي التقليدي.
- تفاصيل نزاع 1906: النزاع الذي نشب بين القبيلة وجماعة من الفحامين في عام 1906 م لم يكن مجرد شجار بسيط، بل كان على الأغلب مرتبطاً بالتحكم في مصادر إنتاج الفحم أو طرق نقله أو تسويقه، مما يعكس الصراع على الموارد الاقتصادية التي أصبحت ذات قيمة عالية.
- النتائج: النتيجة المترتبة على هذا النزاع، وهي عودة بعضهم إلى شبه الجزيرة العربية، تؤكد أن منطقة سيناء كانت بمثابة نقطة استقرار مؤقتة أو مشروطة لبعض فروع القبيلة، وأن العلاقات القبلية والنزاعات الداخلية كانت لا تزال قادرة على تغيير التوزيع الجغرافي للسكان في المنطقة.
باختصار، يمكن النظر إلى الحويطات في سيناء كقوة لوجستية واقتصادية وسياسية أسهمت بشكل كبير في تسهيل الحركة التجارية في المشرق العربي، لكن وجودهم ظل محكوماً بمدى قدرتهم على حفظ التحالفات واستغلال الموارد الطبيعية المتاحة.