إشهار عقد الشهرة في القانون العقاري الجزائري: التزام قانوني وحجية للإثبات
يُعدّ عقد الشهرة، الذي استُحدث بموجب المرسوم رقم 83/352 (المؤرخ في 29 مارس 2000)، أداة قانونية هامة في النظام العقاري الجزائري، تهدف بشكل أساسي إلى إثبات الملكية العقارية القائمة على أساس الحيازة والتقادم المُكسب. ومع ذلك، فإن مجرد تحرير هذا العقد أمام الموثق ليس كافيًا لترتيب آثاره القانونية، إذ يفرض المشرع الجزائري التزامًا حتميًا لا بديل عنه وهو الإشهار العقاري.
أولاً: إلزامية الإشهار كشرط لوجود الحق
يضع القانون العقاري الجزائري، لا سيما بموجب قانون الشهر العقاري والمرسوم رقم 76/63 المتعلق بتأسيس السجل العقاري، عبئًا قانونيًا واضحًا بشأن عقود الشهرة.
- الالتزام القانوني: يُلزم المشرع الجزائري كلاً من الموثقين والموظفين وكُتاب الضبط، كلٌ في حدود اختصاصه، بضرورة إشهار العقود والقرارات والأحكام الواجبة الشهر، ومن ضمنها عقد الشهرة، ضمن الآجال المحددة قانونًا.
- أساس الإلزام: يستند هذا الإلزام إلى قواعد أساسية في النظام العقاري، مثل المادة 14 من المرسوم رقم 75/74 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري.
- النتيجة الجوهرية: يُعتبر شهر عقد الشهرة أمام المحافظة العقارية المختصة التزامًا قانونيًا لا غنى عنه، كونه يُصنف ضمن العقود المُعلنة للملكية العقارية.
ثانياً: مبدأ الشهر الناقل والحجية المطلقة في مواجهة الغير
يُكرس القانون الجزائري مبدأ الشهر الناقل أو بالأحرى، الشهر المُنْشئ للحجية في مواجهة الغير بالنسبة للحقوق العينية العقارية.
- مبدأ الشهر المُقيد للملكية: لا يمكن لصاحب عقد الشهرة الادعاء بالملكية على أساس التقادم المكسب أو الاحتجاج بحقه تجاه الغير، ما لم يتم إشهار عقده في مصلحة الشهر العقاري.
- النص الحاسم: يُفعل هذا المبدأ بموجب المادة 15، الفقرة 01 من الأمر 75/74 التي تنص صراحة على أن: "كل حق ملكية وكل حق عيني آخر يتعلق بعقار لا وجود له بالنسبة للغير إلا من تاريخ يوم إشهارها في مجموعة البطاقات العقارية."
- المفهوم: يعني هذا أن الأثر القانوني للملكية لا يظهر في دائرة التعامل القانوني إلا من لحظة تسجيله في مجموعة البطاقات العقارية، فالعقد قبل إشهاره ليس له وجود قانوني تجاه أي شخص خارج دائرة المتعاقدين.
ثالثاً: حجية عقد الشهرة في الإثبات والسلطة التقديرية للقضاء
يجب التمييز في قوة الإثبات (الحجية) التي يكتسبها عقد الشهرة كونه وثيقة رسمية صادرة عن الموثق، مع طبيعته كمستند يقرر واقعة الحيازة بناءً على شهادات.
أ. حجية الورقة الرسمية:
الورقة الرسمية التي يحررها الموثق تتمتع بحجية قوية على الناس كافة (بين المتعاقدين وبالنسبة للغير)، لكن هذه الحجية تنقسم إلى نوعين:
- وقائع الموثق الذاتية: وهي الوقائع التي أثبتها الموثق وشاهدها تحت سمعه وبصره (مثل تاريخ التحرير، وتوقيعات الأطراف). حجية هذه الوقائع مطلقة، ولا يمكن إنكارها أو دحضها إلا عن طريق الطعن بالتزوير.
- وقائع ذوي الشأن: وهي التصريحات والمعلومات التي نقلها الموثق عن ذوي الشأن (مثل قيمة العقار، أو تاريخ الحيازة في عقد الشهرة). يمكن الطعن في هذه الوقائع عن طريق إثبات عكسها بالبينة أو القرائن دون الحاجة إلى الطعن في صحة الورقة الرسمية ذاتها بطريق التزوير.
ب. الطبيعة التقريرية وعقد الشهرة:
- الأساس الإثباتي: يُحرر عقد الشهرة بناءً على تصريحات الشهود المتعلقة بواقعة الحيازة، وفقاً لأحكام المادة 827 من القانون المدني.
- الطبيعة التقريرية: عقد الشهرة ليس عقداً منشئاً للملكية (أي لا ينقل الملكية بذاته)، ولكنه عقد تقرري يقتصر على مجرد إثبات واقعة الحيازة التي يمكن أن تؤدي لاحقًا إلى الملكية بالتقادم.
- السلطة التقديرية للقاضي: بما أن العقد يستند إلى شهادة وقرائن، فإن تقدير هذه الشهادة يقع ضمن السلطة التقديرية لقضاة الموضوع. بالتالي، لا تخضع عملية تقدير صحة الحيازة أو الشهادات الواردة في العقد لرقابة المحكمة العليا، طالما أن القاضي استند إلى تعليل سليم ومنطقي في حكمه.
