التصرفات المادية التي يجريها المشتري على العقار.. الزيادة أو النقصان من قيمة العقار الاقتصادية مثل المنشآت التي تعود على العقار إلا بالنفع البين



قد يتصرف المشتري في العقار تصرفا ماديا بما يزيد من قيمته أو ينقص منها، إذ قد يحدث أن يقوم المشتري ببعض الأعمال المادية التي من شأنها أن تزيد أو تنقص من قيمة العقار الاقتصادية، وهذه الأفعال إما أن تكون من قبيل المنشآت التي تعود على العقار إلا بالنفع البين، كأن يدخل المشتري الإضافة الكهربائية أو ينشئ المراوي والمصارف في الأراضي الزراعية أو يبني في الأرض أو يغرس فيها أشجارا، وكلها أعمال تزيد في قيمة العقار المبيع و تسهل الانتفاع به ومن تم تدخل ضمن التحسينات المنصوص عليها في الفصل 25 من ظهير 2 يونيو 1915، وقد سبق الحديث عنها عند الكلام في التزام الشفيع بأداء توابع الثمن، فنكتفي هنا بالإحالة على ما تم بحثه في هذا الشأن تفاديا للتكرار.
وإما أن تكون من قبيل التصرفات التي من شأنها أن تحط من قيمة العقار، كهدم الأبنية وقلع الأشجار وما شابه ذلك، وكلها رغم أهميتها لم يتطرق لها المشرع في الفصل 25 من الظهير أعلاه، لذلك سنعمل على دراسة ذلك انطلاقا من أحكام الشريعة الإسلامية وطبقا لقواعد القانون المدني.
لقد اختلف حول الحكم باختلاف سبب هذا النقص، فإذا كان النقص من غير تعد كانهدام البناء لتصدعه أو لزلزال حدث، وكجفاف الأرض لآفة أصبته، لم يكن للشفيع إذا أراد الشفعة إلا أن يأخذ العقار المشفوع بثمنه دون نقص منه  وذلك لأن هذا النقص ليس بفعل أحد، ولكن يأخذ المشتري ما قد يبقى من أنقاض البناء والشجر بقيمتها يوم الحكم بالشفعة، لأنه يصير حابسا لها عن الشفيع من ذلك الحين.
أما إذا حدث النقص بفعل المشتري، كان للشفيع حينئذ دفع الثمن ناقصا قيمة ما زال من العقار، وطبيعي أن المعتدي إذا كان أجنبيا، كان للمشتري تضمينه قيمة ما أتلفه يوم إتلافه، فتكون عوضا عما يفوت عليه من الثمن .
ولا يقف أثر الهلاك عند حد تحمل المشتري تبعة هذا الهلاك أي مجرد وقوع هذه الخسارة على عاتقه، بل قد يتعدى هذا الأثر إذا تعمد المشتري إحداث تلف بالعقار إضرار بالمشتري، حيث يكون لهذا الأخير فوق ما تقدم على المشتري المشفوع منه بالتعويض إذا كان له وجه عملا بأحكام المسؤولية التقصيرية .
نقول هذا معتمدين على أحكام الفقه الإسلامي وعلى المبادئ العامة في القانون المدني، باعتبار أن الشفعة مصدرها إسلامي، وأن المشرع المغربي حصر العلاقة في الشفعة بين المشتري والشفيع، خلافا لما ذهبت إليه بعض التشريعات الحديثة كالتشريع المصري ، والتشريع العراقي  اللذين جعلا العلاقة قائمة مباشرة بين البائع والشفيع، الأمر الذي نتج عنه خلاف في الفقه حول من يتحمل تبعة الهلاك، فذهب فريق إلى تحميل البائع تبعة الهلاك استنادا إلى نص الفقرة الأخيرة من المادة 945 من القانون المدني المصري التي جاء فيها :" ...3- وإذا استحق العقار للغير بعد أخذه بالشفعة فليس للشفيع أن يرجع إلا على البائع." .
وذهب فريق آخر  إلى أن تبعة الهلاك تقع على المشتري وحجته في ذلك أن تبعة الهلاك قبل التسليم تكون على البائع لأنه ملتزم بالتسليم، وقد أصبح المشتري هو الملتزم بالتسليم فعليه تقع تبعة الهلاك.
ولكن الفقه انتقد هذا الرأي وعاب عنه الأساس الذي بني عليه تحميل المشتري لتعبة الهلاك.
وقد أراد جانب من الفقه أن يضبط هذا الرأي ويتفادى ما وجه إليه من انتقادات، فميز بين الهلاك الواقع قبل الإعلان عن الرغبة في الشفعة والهلاك الواقع بعد ذلك، حيث جعل الهلاك في الحالة الأولى على عاتق المشتري، وحجيته أن المشفوع منه ليس إلا حائزا للمبيع، حائزا حسن النية قبل إعلان الرغبة، وحائزا سيئ النية بعد هذا الإعلان.
وقد انتقد هذا الرأي بدوره لكونه اعتبر المشفوع منه مجرد حائز للعقار المبيع، حسن النية قبل الإعلان عن الرغبة في الشفعة، وحائز سيئ النية بعد ذلك، في حين أنه المشتري الأصلي للعقار، وأن وضع يده على المشفوع فيه كان بمقتضى عقد بيع صحيح تام منتج لأثاره فكيف يمكن والحالة هذه تصوره مجرد حائز وهو المالك الشرعي للعقار؟ إذ مثل هذا القول لا يستقيم وأحكام الشفعة، بل يرفضه حتى المنطق السليم لهشاشة حججه ولتدبدب أفكاره وخروجا عن المبادئ العامة .
لذلك يمكن القول أن الرأي الأخير كان صائبا إلى حد ما  نظرا لوجاهة حججه، وبالتالي فإن المشتري لا يمكن تصوره حائزا للعقار إلا إذا تمت الشفعة -رضاء أو قضاء- ورفض التخلي عن ملكية المبيع دون سبب يبرر رفضه، في مثل هذه الحالة يمكن تصوره حائز سيء النية  أما قبل ذلك فلا، إذ يعتبر مالكا للعقار إذ يملك المشتري الحصة التي اشتراها ملكية تامة تجاه الغير من يوم قيامه بتسجيل شرائه على الرسم العقاري.
وتجدر الإشارة في الأخير أن الشفعة قد لا يترتب عنها أي أثر إذا توافر سبب من أسباب سقوطها أو تم التنازل عنها، وذلك ما سنعمل على توضيحه في المطلب الموالي.


مواضيع قد تفيدك: