إشهار الدعاوى العينية العقارية: وظيفة إعلامية وحماية للحقوق، خلافًا لمفهوم وقف التصرف، في ضوء التشريعات والممارسات القضائية

إشهار الدعاوى العينية العقارية: الآثار القانونية والجدل حول وقف التصرف

يُعد إشهار الدعاوى العينية العقارية إجراءً قانونيًا بالغ الأهمية في الأنظمة العقارية الحديثة، وله جملة من الآثار الجوهرية التي تهدف إلى تنظيم وتأمين المعاملات العقارية. يرتكز هذا الإجراء على مبدأ الشفافية وإعلام الغير بوجود نزاع قضائي حول حق عيني عقاري.


1. حفظ حقوق المدعي: وظيفة إعلامية لا إيقافية

إن الهدف الأساسي من شهر الدعوى بالمحافظة العقارية هو الحفاظ على حقوق المدعي في حال صدور حكم قضائي لصالحه. هذا الإجراء ليس هدفه منع المدعى عليه من التصرف في العقار بشكل مباشر، بل هو بمثابة إعلام للغير بأن العقار موضوع نزاع قضائي، وبالتالي يدخل العقار في مفهوم "الحق المتنازع عليه قضاءً".

يُستشف هذا المعنى بوضوح من أحكام المادة 86 من المرسوم رقم 76/63 (بافتراض السياق الجزائري أو المشابه له)، والتي تنص على أن: "إن فسخ الحقوق العينية العقارية أو إبطالها أو إلغائها أو نقضها عندما ينتج أثراً رجعياً لا يحتج به على الخلف الخاص لصاحب الحق المهدور، إلا إذا كان الشرط الذي بمقتضاه حصل ذلك الفسخ أو الإبطال أو الإلغاء أو النقض قد تم إشهاره مسبقاً، أو كان هذا الفسخ أو الإبطال أو الإلغاء أو النقض بحكم قانوني، تطبيقاً للقانون".

هذه المادة تُوضح بشكل صريح أن الآثار المترتبة على عدم إشهار الدعوى، أو عدم إشهار الشرط الذي بناءً عليه تم فسخ أو إبطال أو إلغاء أو نقض حقوق سبق إشهارها، تتمثل في عدم سريان هذا الشرط ولا الحكم الذي يُقرره في مواجهة الخلف الخاص لصاحب الحق المهدور. بعبارة أخرى، إذا لم يتم إشهار الدعوى، فإن الحكم القضائي اللاحق الذي قد يُصدر لصالح المدعي لا يكون حجة على الغير الذي اكتسب حقًا عينيًا على العقار وأشهره قبل شهر الدعوى. هذا يؤكد على أن الهدف من شهر الدعوى هو خلق حماية للمدعي بأثر رجعي للحكم، لكن هذه الحماية مشروطة بالإشهار المسبق.

خلاصة القول في هذه النقطة هي أن شهر الدعوى العقارية يؤدي وظيفة إعلامية للغير بوجود نزاع حول العقار، مما يُنبّه المتعاملين المحتملين إلى وجود مخاطر قانونية قد تؤثر على أي حقوق يكتسبونها لاحقًا.


2. عدم إيقاف إجراءات الشهر وتمكين التصرف في العقار: جدل وتوضيحات إدارية وقضائية

إن من أهم الآثار المترتبة على شهر الدعوى بالمحافظة العقارية هو أنها لا يترتب عليها منع المدعى عليه من التصرف في العقار بالبيع أو الهبة أو بأي تصرف آخر ناقل للملكية. هذا يعني أن المدعى عليه يظل مُحتفظًا بحقه الدستوري في التصرف بملكيته حتى صدور حكم نهائي يُقيد هذا الحق.

وقد حدث التباس في فهم هذا المبدأ لدى بعض المحافظين العقاريين في السابق. فقد كان بعضهم يمتنع عن شهر أي تصرف وارد على العقار الذي أُشهرت بشأنه دعوى قضائية، بمجرد شهر العريضة الافتتاحية للدعوى أو تلقيهم طلبات من المواطنين تُلتمس منهم إيقاف إجراء إشهار العقود المتضمنة نقل الملكية للحقوق العينية.

هذا الالتباس استدعى تدخلاً صريحًا من المديرية العامة للأملاك الوطنية، التي أصدرت مذكرة تاريخية بتاريخ 22 مارس 1993 تحت رقم 3875. أوضحت هذه المذكرة لمديريات الحفظ العقاري أن الدعاوى القضائية التي تُشهر في المحافظة العقارية شُرعت من أجل المحافظة على حقوق المدعي في حالة صدور الحكم لصالحه، ولكنها لا توقف إجراء إشهار أي تصرف لاحق. هذا التوضيح حسم الجدل الإداري وأكد أن الإشهار لا يُقيد حق التصرف.


اللجوء إلى القضاء الاستعجالي لطلب وقف التصرف: رأي المذكرة وجدل قانوني

استنادًا إلى نفس المذكرة، فإنه إذا أراد المدعي إيقاف أي تصرف آخر وارد على العقار بعد أن يكون قد قام بشهر دعواه، عليه أن يرفع دعوى قضائية أخرى أمام القضاء الاستعجالي للمطالبة بوقف التصرف على العقار المتنازع عليه إلى حين الفصل النهائي في الدعوى المرفوعة أمام قضاة الموضوع. ويُمكن، بل يُوصى، بـشهر هذا الأمر الاستعجالي بالمحافظة العقارية ليُصبح نافذًا في مواجهة الغير.

لكن، هذا الموقف يُعد غير صائب - حسب الاعتقاد المُشار إليه في النص الأصلي - وذلك لأن حق التصرف في العقار هو حق دستوري أصيل. وبالتالي، فإن الحالة الوحيدة في القانون الجزائري (أو ما يُماثله في تشريعات أخرى) التي توقف تنفيذ العقد الرسمي هي حالة الطعن فيه بالتزوير.

وعليه، فإنه في حالة الطعن في العقد الرسمي بالتزوير، يمكن للمتقاضي أن يلجأ إلى القضاء المستعجل لـاستصدار أمر بوقف التصرف في العقار المتنازع عليه. يجب أن يُشهر هذا الأمر الاستعجالي بالمحافظة العقارية لترتيب آثاره في مواجهة الغير. والأهم هو أن يكون هذا الإيقاف لأجل محدود، وبالتالي من الضروري أن يُحدد القاضي الجالس للفصل في القضايا المستعجلة هذه المدة في منطوق الأمر الاستعجالي الصادر، ولو كان ذلك إلى غاية صدور الحكم النهائي في موضوع دعوى التزوير.


الاعتراضات غير القانونية وموقف القضاء الاستعجالي:

يُجدر التنويه في هذا الصدد بأن ما يقوم به بعض المواطنين من اعتراضات عبر أعمدة الجرائد، التي تُشير إلى منع الموثق من تحرير أي عقد ناقل للملكية على العقار محل الاعتراض، تُعد اعتراضات غير قانونية ومنعدمة الأساس. هذه الاعتراضات ليس لها أي أثر قانوني، ولا تمنع الموثق من تحرير العقد، ولا المحافظ العقاري من شهره بالمحافظة العقارية، ما دامت لا تستند إلى حكم قضائي صادر عن القضاء المختص.

هذا الفهم الخاطئ وصل أيضًا إلى بعض قضاة المحاكم الاستعجالية الذين يقومون بـرفع هذه الاعتراضات غير القانونية. في هذه الحالات، تُعد أوامرهم "بدون موضوع"؛ فما دام الاعتراض المزعوم رفعه ليس له أي أثر قانوني ولا يوقف ولا يمنع التصرف في العقار، فإن الأمر القضائي الذي يأمر برفعه يصبح غير ذي جدوى.

ولنا كمثال حي على هذا الفهم غير الصحيح ما قضت به المحكمة الاستعجالية ببرج بوعريريج في القضية رقم 464/2001 بتاريخ 31/03/2001، ومنطوقها المنشور بجريدة الخبر ليوم 17/05/2001، على النحو التالي: "أمرت هيئة المحكمة حال نظرها في القضايا الاستعجالية علنيا حضوريا ابتدائيا برفع الاعتراض المنشور بجريدة الخبر في كل عملية بيع للمدعي ب، م مع الأمر بنشر هذا الأمر على العمود بالجريدة". هذا الحكم يؤكد أن الاعتراضات المنشورة في الجرائد ليس لها قوة قانونية تُلزم وقف التصرف في العقار، وأن القضاء يرفض إعطاءها أي أثر.

إن فهم هذه الفروق الدقيقة ضروري لضمان تطبيق سليم للقانون، ولحماية حقوق الملكية الفردية، وتأمين المعاملات العقارية من الممارسات غير القانونية التي قد تُعرقل مسارها أو تُحدث فوضى في السجل العقاري.

ليست هناك تعليقات

جميع الحقوق محفوظة لــ وريقات 2015 ©