ممارسة حق الشفعة داخل أجل شهرين ابتداء من تاريخ العقد.. تاريخ إبرام العقد بمحضر الشريك الذي ذيله بتوقيعه لا من تاريخ تقييده في السجل العقاري



بمقتضى المادة 32 من القانون العقاري،  فإن أجل الشهرين يحسب اعتبارا من تاريخ إبرام العقد بمحضر الشريك الذي ذيله بتوقيعه لا من تاريخ تقييده في السجل العقاري، وتعتبر هذه الحالة خروجا من المبدأ المقرر والذي يعتبر التسجيل على الرسم العقاري نقطة الانطلاق  الوحيدة لجميع الحقوق (الفصل 67 من ظهير التحفيظ العقاري).
وقد ساهم هذا الإشكال الذي خلقه المشرع المغربي في طرح نقاشات حادة في الفقه وتردد في شأنه القضاء، لذلك انقسم الفقه المهتم بين مؤيدين ومعارضين، فالمؤيدون يقولون بجواز الأخذ بذلك لأن البيع ينعقد صحيحا بغض النظر عن تسجيله بالرسم العقاري الذي لا يترتب عنه سوى نقل الملكية، ويرون أن فصول الشفعة لا تمنع ممارسة الشفعة قبل التسجيل رغم ما يكتنف ذلك من بعض الصعوبات، فنقل الملكية وتسجيل العقد ليس ركنا في عقد البيع.
وفي نظرهم أن تعليق حق الشفعة على التسجيل هو تعليق لهذا الحق على إرادة المشفوع منه زيادة على ما في الأمر من عدم استقرار الحقوق.
أما المعارضون فيرون أن ممارسة الشفعة ضد شراء غير مقيد على الرسم العقاري تفضي إلى صعوبة عملية من حيث تقييد الحظ المشفوع به بالمحافظة العقارية في اسم الشفيع بعد الحكم به، لما هو معروف من أن التقييدات على الرسم العقاري ينبغي أن تتم بالتعاقب، بحيث لا يمكن تقييد شخص على رسم عقاري خلفا لآخر إلا إذا كان السابق مقيدا على ذلك الرسم العقاري، بل إن الحقوق المقيدة لا يمكن أن تتلقى إلا من شخص مقيد على ذلك الرسم، مما يشكل صعوبة في تقييد شفيع ما مالكا لحظوظ باعها شريكه لشخص، إن لم يقيد ذلك الشراء على الرسم العقاري لأن هذه العملية تستدعي إدخال الشخص المشفوع منه إلى الرسم العقاري أولا ثم إحلال الشفيع محله خلفا له كما تقتضي ذلك قواعد التحفيظ العقاري  وأنصار هذا الاتجاه يحتجون بمقتضيات الفصل 31 من ظهير 2 يونيو 1915 والتي تجعل من التسجيل ركنا جوهريا لانطلاق أجل الثلاثة أيام،وكذلك مقتضيات الفصل 33 من نفس الظهير التي تجعل التنازل باطلا قبل تسجيل الشراء بالرسم العقاري.
أما بالنسبة للعمل القضائي نجد محكمة الاستئناف بالرباط قد أصدرت قرارات عديدة تفيد تشبثها بمبدأ حجية التسجيل لممارسة  أي حق من الحقوق بما فيها حق الشفعة  إلا أن المجلس الأعلى لا زال مترددا بخصوص هذه المسالة فمرة نجده يقول بإمكانية طلب الشفعة قبل التسجيل  ومرة أخرى نجده يرفض ذلك   ومرة أخرى نجده يحاول إيجاد حل توفيقي بين الرأيين حيث جاء في أحد قراراته أنه: " لما كان تسجيل شراء الحصة المطلوبة شفعتها على الرسم العقاري يعد إجراء ضروريا لإشعار الحكم بشفعتها، فإن الشفيع تكون له مصلحة في أن يطلب شفعة هذه الحصة إلزام المشفوع منه بأن يسجل شراءه على الرسم العقاري حتى يتمكن بدوره من إشهار الحكم باستحقاقها."
وأمام هذا الموقف المتناقض للمجلس الأعلى حاول البعض  التماس أعذار للمشرع المغربي وذلك بقوله: " إننا نرى أن المشرع لم يقصد بالنص على أن أجل الشهرين يبدأ من يوم العقد، أن هذا الأجل يسري بالنسبة للعقد الذي لم يقع تسجيله، لأن ذلك يتناقض مع القاعدة العامة التي قررها الفصلين 66 و67 من ظهير 12 غشت 1913 والتي طبقها دائما ولم يستثن أي حالة ... ونرى تبعا لذلك أن المشرع قصد بهذا النص الحالة التي يسجل فيها المشتري عقد شرائه فور تحريره."
لقد تعرض هذا التبرير للنقض من طرف البعض   "لكون وجهة النظر هذه تكاد تكون منعدمة لأن الذي قد يقع هو أن يسارع المشتري إلى إيداع عقد شرائه بالمحافظة العقارية في نفس اليوم الذي حرر فيه العقد، إذ لا نظن أن محافظ الملكية العقارية سيقوم بتسجيل ذلك العقد في نفس اليوم الذي تم فيه الإيداع نظرا لكثرة الملفات من جهة ووجود إجراءات مسطرية يجب أن تحترم من جهة أخرى وكما نعلم فاحتساب أجل الشفعة ينطلق من يوم التسجيل لا من يوم إيداع الوثائق."
وتجدر الإشارة في الأخير أن مدة الشهرين تعتبر في نظر المشرع مدة تقادم لا سقوط، لأنه عبر في الفصل 32 بلفظ "يتقادم" لا بلفظ "يسقط"، كما هو الحال بالنسبة للفصل 31 الذي تحدث فيه عن أجل ثلاثة أيام، وينبني على ذلك أن هذه المدة تخضع لأحكام التقادم من حيث الوقف والانقطاع.
إلا أننا برجوعنا إلى قرارات المجلس الأعلى نجده يعتبر اجل الشهرين أجل سقوط حيث جاء في قراراه:" إن آجال الشفعة سواء منها الواردة في الفصلين 31 و 32 من القانون العقاري لسنة 1915 والمطبق على العقار المحفظ ذات طبيعة واحدة هي أنها آجال سقوط لا آماد تقادم، لهذا فإن هذه الآجال لا تخضع للانقطاع ولا يطبق عليها الفصل 381 من ق.ل.ع."
وبالرغم من أن الفرق شاسع بين عبارة يتقادم الواردة في الفصل 32 من ظهير 2 يونيو 1915 وبين عبارة يسقط وذلك بالنسبة للتوقف والانطلاق إلا أن المجلس الأعلى ذهب من خلال القرار أعلاه إلى أن عبارة حق الشفعة يتقادم بمضي شهرين تعني أمد سقوط لا أمد تقادم شأنها شأن أجل ثلاثة أيام الواردة في الفصل 31.


مواضيع قد تفيدك: