تنويع قاعدة الاقتصاد السعودي: رؤية مستقبلية وطموحات تنموية (2000-2020)
ركزت دراسة الدكتور طارق بن محمد السلوم، الصادرة عن المجلس الاقتصادي الأعلى، على تحديد الرؤية المستقبلية لتنويع قاعدة الاقتصاد السعودي خلال فترة زمنية تمتد لعشرين عامًا، من عام 1420هـ (2000م) إلى عام 1440هـ (2020م). هدفت هذه الدراسة إلى تقديم خارطة طريق واضحة لكيفية تحويل الاقتصاد السعودي من اعتماده الكبير على النفط إلى اقتصاد أكثر تنوعًا واستدامة.
منهجية الدراسة ومحاور التحليل
- اعتمدت الدراسة على منهج البحث الوصفي والتحليل الاقتصادي، مستندة إلى إحصائيات وبيانات اقتصادية متاحة لتقديم رؤية شاملة. تضمن التحليل الاقتصادي أربعة محاور أساسية لتقييم الوضع الحالي ووضع التصور المستقبلي:
- الإطار النظري لتنويع مصادر الدخل: تناول المحور الأول الجوانب النظرية لمفهوم تنويع مصادر الدخل الوطني، واستعرض تجارب الدول الأخرى التي نجحت في هذا التوجه، بهدف استخلاص الدروس المستفادة وتطبيقها على الحالة السعودية.
- تقييم الوضع الراهن للاقتصاد السعودي: ركز المحور الثاني على تحليل وتقييم الوضع الاقتصادي للمملكة خلال ثلاثة عقود سابقة، من عام 1390هـ (1970م) حتى عام 1420هـ (1999م). هذا التحليل سمح بفهم التحديات والإنجازات التي شكلت الاقتصاد السعودي قبل بدء الفترة المستهدفة للدراسة.
- العوامل المؤثرة على الاقتصاد السعودي مستقبلاً: بحث المحور الثالث في العوامل الداخلية والخارجية المتوقع أن يكون لها تأثير كبير على مسار الاقتصاد السعودي في المستقبل، مثل التغيرات في أسواق النفط العالمية، التطورات التكنولوجية، والسياسات الاقتصادية المحلية.
- الرؤية المستقبلية وكيفية تحقيق التنوع الاقتصادي: تناول المحور الرابع الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي، مع التركيز على الاستراتيجيات والآليات الكفيلة بتحقيق تنوع اقتصادي أكبر مما هو عليه الحال، والخروج من دائرة الاعتماد الأحادي على النفط.
قُسمت الدراسة هيكليًا إلى ستة فصول متكاملة، بدأت بالإطار العام للدراسة، ثم انتقلت إلى التنويع الاقتصادي وتجارب الدول الأخرى، تحليل الوضع الراهن، العوامل المؤثرة مستقبلاً، الرؤية المستقبلية، واختتمت بالخلاصة والنتائج والتوصيات.
أبرز النتائج والتوصيات:
خلصت الدراسة إلى عدد من النتائج والتوصيات الهامة التي رسمت ملامح التحديات والفرص أمام الاقتصاد السعودي:
نتائج رئيسية:
- ضعف مساهمة القطاع الصناعي: على الرغم من التطور الذي شهده القطاع الصناعي خلال العقود الثلاثة الماضية، إلا أن مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي ظلت محدودة، مما يشير إلى عدم تحقيق الدور المأمول منه.
- التحديات في القطاع الزراعي: رافق نمو القطاع الزراعي سلبيات كبيرة، أبرزها استنزاف المخزون المائي بسبب التركيز على المحاصيل الشرهة للمياه كالقمح. وهذا استدعى تغييرًا في السياسات الزراعية، مع التأكيد على ضرورة تفعيل دور القطاع من خلال التركيز على النشاطات الزراعية ذات الميزة النسبية التي لا تستهلك كميات كبيرة من المياه.
- تضاؤل مساهمة القطاع السياحي: كانت مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي ضئيلة جدًا، مما استدعى بذل جهود كبيرة لتنشيطه وتفعيل دوره كعنصر أساسي في تنويع الاقتصاد.
- تراجع تطوير الصناعات البترولية والغاز: على الرغم من المخزون الهائل للمملكة من النفط والغاز، وُجد أن الجهود المبذولة في تطوير الصناعات المرتبطة بها كانت متواضعة، مما يستوجب التوسع الأفقي والرأسي في هذا المجال.
- هامشية قطاع التعدين: شكلت مساهمة قطاع التعدين نسبة ضئيلة في الناتج المحلي الإجمالي، مما يتطلب ضرورة التوسع فيه وإيجاد الصناعات التحويلية (الأمامية) للحد من تصدير الخامات.
- الحاجة إلى تعزيز مفهوم التنمية المستدامة: أكدت الدراسة على أن مفهوم التنمية المستدامة، الذي يشمل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية واحتياجات الأجيال الحالية والمستقبلية، لا يزال بحاجة إلى تعزيز وتأصيل لتحقيق التوازن التنموي في كافة مناطق المملكة.
- أهمية الضمان الصحي التعاوني: أشارت الدراسة إلى أهمية التوسع في تطبيق الضمان الصحي التعاوني ليشمل المواطنين، لما يوفره من سيولة مالية لدعم القطاع الصحي ومواجهة التكاليف المتصاعدة، مع ضمان تقديم خدمات صحية عالية الجودة.
توصيات مقترحة:
- التركيز على الصناعة والزراعة: لتحقيق مزيد من التنوع الاقتصادي، أوصت الدراسة بضرورة التركيز على قطاعي الصناعة والزراعة، مع الأخذ في الاعتبار التحول نحو الأنشطة الزراعية المستدامة.
- تطوير القطاع السياحي: أكدت الدراسة أن قطاع السياحة يمثل أحد القطاعات الواعدة، ودعت إلى المزيد من الجهود لتنميته، خاصة مع الإجراءات الجديدة المتعلقة بالعمرة وتأشيرات الدخول التي تعزز إمكاناته كرافد رئيسي للدخل.
- تسريع عمليات التخصيص: لتحقيق التنوع الكلي، أوصت الورقة بضرورة الإسراع في تنفيذ عمليات التخصيص لزيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد، مع التأكيد على أهمية مراقبة الأسعار في القطاعات المخصخصة.
- التنويع الجغرافي (الإقليمي): لتحقيق التنمية المتوازنة، دعت الدراسة إلى تبني سياسات اقتصادية موجهة نحو الأقاليم الأقل نموًا، لزيادة دخلها وتوسيع الفرص الاقتصادية فيها، والحد من الهجرة إلى المدن الكبرى.
- زيادة استخدام التقنية الحديثة: لمواكبة عصر العولمة والمعلوماتية، أوصت الدراسة بـزيادة مستوى استخدام التقنية الحديثة، وخاصة تقنية المعلومات والاتصالات، مما يستلزم زيادة مستوى التدريب قبل وأثناء الخدمة.
- تفعيل المشاركة بين القطاعين الحكومي والأهلي: أكدت الدراسة على الأهمية الكبرى لـالمشاركة الفعالة بين القطاعين الحكومي والخاص في تحقيق الأهداف الاقتصادية العليا، وعلى رأسها تنويع مصادر الدخل الوطني، مع الاستفادة من تجارب الدول الآسيوية الناجحة.
- مراجعة الهياكل الإدارية: لضمان نجاح خطط وسياسات تنويع مصادر الدخل، أوصت الدراسة بـمراجعة شاملة للهياكل الإدارية الحالية لتحديثها وزيادة القدرة الإدارية.
- تطبيق نظام التأمين الصحي الشامل: دعت الدراسة إلى تطبيق نظام التأمين الصحي ليشمل المواطنين لزيادة جودة وكمية الخدمات الصحية، وذلك باستخدام رسوم التأمين لتعزيز الإمكانات المالية للمؤسسات الصحية الحكومية والخاصة.
- تحديد أهداف كمية للتنويع: اختتمت التوصيات بالدعوة إلى أن تحدد كل خطة قادمة نسبة زيادة مستهدفة، بحيث بحلول نهاية الخطة الحادية عشرة (عام 1440هـ/2020م)، تنخفض مساهمة القطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 20%، وترتفع مساهمة القطاعات غير النفطية إلى 80%. كما يجب أن ترتفع مساهمة القطاع الخاص إلى 80% وتنخفض مساهمة القطاع الحكومي إلى 20%.
تُظهر هذه الدراسة رؤية طموحة وشاملة لمستقبل الاقتصاد السعودي، مؤكدة على أهمية التنوع والتحول نحو اقتصاد مستدام يعتمد على قطاعات متعددة لضمان النمو والازدهار على المدى الطويل.
ليست هناك تعليقات