اختصاص المحاكم العقارية في مواجهة قرارات المحافظ العقاري: جدلية الاختصاص ونقاط الخلاف
تُعد المحاكم العقارية الجهة القضائية المتخصصة بالنظر في النزاعات المتعلقة بالعقارات، ويتمتع هذا الاختصاص بمدى واسع يشمل العديد من القضايا المرتبطة بالتسجيل العقاري والحقوق العينية. ومع ذلك، يظل هناك تساؤل جوهري حول مدى اختصاص هذه المحاكم بالنظر في شرعية القرارات الصادرة عن المحافظ العقاري. يتعلق هذا التساؤل بشكل خاص بالقرارات التي يتخذها المحافظ بخصوص إشهار عقد موثق (أي تسجيله في السجلات العقارية)، أو رفض إشهاره، أو حتى رفضه للقيام بأي إجراء آخر يتعلق بشهر العقود والتصرفات العقارية.
الخلاف حول اختصاص المحاكم العقارية:
ينشأ الخلاف القانوني هنا من الممارسة الشائعة التي تتبعها العديد من المحاكم. ففي كثير من الأحيان، تتمسك المحاكم العقارية باختصاصها للنظر في الطعون الموجهة ضد قرارات المحافظ العقاري. بمعنى أن الأفراد المتضررين من قرارات المحافظ يرفعون دعاويهم أمام هذه المحاكم، والتي بدورها تقبل النظر في هذه الطعون وتصدر أحكامًا بشأنها.
الأساس القانوني للخلاف: المادة 24 من الأمر 75/74 والمادة 7 من قانون الإجراءات المدنية
يرى البعض أن هذا التمسك بالاختصاص من قبل المحاكم العقارية يمثل خرقًا واضحًا لأحكام المادة 24 من الأمر رقم 75/74 المؤرخ في 12 نوفمبر 1975. هذه المادة، بحسب هذا الرأي، تحيل بشكل صريح على قانون الإجراءات المدنية فيما يتعلق بالطعون ضد قرارات المحافظ العقاري.
وبناءً على هذا الإحالة، يُفترض أن يكون النظر في هذه الطعون من اختصاص القاضي الإداري، وذلك طبقًا لأحكام المادة 7 من قانون الإجراءات المدنية. فالقاعدة العامة في القانون الإداري تشير إلى أن القرارات الصادرة عن جهات إدارية (والمحافظ العقاري يُعتبر جهة إدارية في سياق عمله) تخضع لرقابة القضاء الإداري.
الآثار المترتبة على تداخل الاختصاص:
يُثير هذا التضارب في الاختصاص عدة تساؤلات قانونية وعملية:
تحديد الجهة القضائية المختصة: يؤدي هذا الخلاف إلى عدم اليقين حول الجهة القضائية الصحيحة التي يجب اللجوء إليها للطعن في قرارات المحافظ العقاري، مما قد يؤخر الفصل في النزاعات ويعقد الإجراءات على المتقاضين.
ضمانات التقاضي: قد تختلف الضمانات الإجرائية والمبادئ المطبقة بين القضاء العادي (المحاكم العقارية) والقضاء الإداري، مما قد يؤثر على حقوق المتقاضين.
وحدة الاجتهاد القضائي: يهدد هذا التداخل في الاختصاص وحدة الاجتهاد القضائي فيما يخص الطعون ضد قرارات المحافظ، حيث قد تصدر المحاكم العقارية أحكامًا تختلف عن المبادئ التي يطبقها القضاء الإداري.
إن هذه الجدلية القانونية تُبرز الحاجة إلى توضيح دقيق للاختصاص القضائي فيما يتعلق بقرارات المحافظ العقاري، سواء من خلال تعديلات تشريعية أو من خلال توحيد الاجتهاد القضائي لضمان تطبيق سليم للقانون وحماية أفضل لحقوق الأفراد.
ليست هناك تعليقات