الثمن الواجب أداؤه في الشفعة.. الثمن الحقيقي مبدئيا هو الثمن المحدد في العقد وهو الثمن المعتبر وليس قيمة المبيع



إن مسألة تحديد الثمن النهائي لمن المشاكل الكثيرة التي لا زالت تطرح العديد من المنازعات القضائية، وهو مشكل قديم قدم الشفعة نفسها، فقد عرفه الفقه الإسلامي واعتنى به عناية خاصة حيث وضع له من القواعد ما ساعد على إيجاد الحلول المرضية، كلما تعلق الأمر بجدية الثمن.
لقد ألزم المشرع المغربي - شأنه شأن التشريعات الوضعية التي أقرت أحكام الشفعة - الشفيع بأداء الثمن الحقيقي الذي حصل به البيع، والثمن الحقيقي مبدئيا هو الثمن المحدد في العقد وهو الثمن المعتبر وليس قيمة المبيع، إلا أن العقود كثيرا ما تحمل بين طياتها أثمنه كاذبة إما بهدف حث الشفيع ودفعه إلى التخلي عن ممارسة الشفعة - وذلك بذكر أثمنة مبالغ فيها لا صلة لها بالحقيقة وإما بهدف التضليل والتدليس على إدارة التنبر والتسجيل - وذلك بذكر أثمنه تقل عن الثمن الحقيقي حتى لا تستوفي الإدارة حقوقها كاملة  - وفي الحالتين معا يكون الثمن المذكور بعقد الشراء كاذبا، فهل والحالة ﻫﺫه يعتبر الثمن المذكور بعقد الشراء الموجود بحوزة المشتري قرينة على كونه الثمن الحقيقي للعقار المشفوع؟.
الواقع إن الثمن الوارد في عقد الشراء هو الثمن الحقيقي الذي حصل به البيع، إلا أن الفقه والقضاء لم يجعلا منه إلا قرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس، حيث جاء في قرار المجلس الأعلى أنه " الأصل أن الثمن المذكور في العقد هو الثمن الحقيقي الذي جعل البيع إلا إذا تبث عكس ذلك.
وعليه فالمعول عليه حسب اجتهاد المجلس  الأعلى أن الثمن المذكور في العقد هو الثمن الحقيقي ما لم يثبت العكس، أي أنه يمكن للشفيع أن يثبت بجميع طرق الإثبات، بما فيها القرائن أن الثمن الوارد في عقد الشراء هو أكبر من الثمن الحقيقي وأنه مبالغ فيه لتعجيزه عن الأخذ بالشفعة أو لإلزامه بدفع مبلغ يزيد عن الثمن الحقيقي، فيربح المشتري من وراء ذلك.
وهذا الحكم هو المعمول عليه فقها وقضاء في لبنان رغم نص المادة 251  من قانون الملكية العقارية، ذلك لأن المشرع اللبناني وإن كان في المادة المذكورة قد ألزم المحكمة بتعيين الثمن الحقيقي عند الاختلاف عليه بين الشفيع والمشتري والمشفوع منه، فإنه لم يبين وسيلة أو يعين قرينة قانونية يمكن للقاضي أن يستند إليها لتحديد الثمن المؤدى.
هذا إذا كان الثمن المذكور في عقد البيع أكبر من الثمن المؤدى حيث يكون الشفيع هو المطالب بإثبات صورية الثمن الظاهر،أما إذا كان الثمن المذكور في العقد أقل من الثمن الذي حصل به البيع، فهل للمشتري منه الإدعاء بأن الثمن المذكور في عقد البيع هو ثمن صوري ذكر في العقد ناقصا لتحقيق غرض معين.؟
الظاهر أنه ليس هناك ما يمنع من إثبات صورية الثمن على الوجه الذي جاز به إثبات صوريته في الحالة السابقة ، إلا أن الفقه قد اختلف في الإجابة عن هذا التساؤل، وقد ترتب عن هذا الاختلاف أن تباينت وجهات النظر وتضاربت الآراء حول إمكانية إثبات المشتري لصورية الثمن المذكور إذا ادعى أنه أقل من الثمن الحقيقي الذي حصل به البيع.
فقد ذهب جانب من الفقه  إلى أن المشتري المشفوع منه يجوز له أن يثبت بالطرق الجائزة في الإثبات فيما بين البائع والمشتري بأن الثمن المذكور في عقد البيع هو عقد صوري ذكر في العقد ناقصا للتخفيف من رسوم التسجيل . وهناك جانب ﺁخر من الفقه   وهو الرأي السائد فقها وقضاء يرى أن المشتري المشفوع منه إذا ادعى صورية الثمن لا يسوغ له أن يثبت أن الثمن الذي ذكره في عقد البيع، أقل من الثمن الحقيقي حتى ولو أبرز مستندات صادرة من بائعه تثبت أن الثمن الحقيقي يزيد على الثمن الوارد بالعقد، كما أنه لا يحق له الرجوع على البائع بفرق الثمن، وعلة هذا الجانب من الفقه أن المشتري هو الذي يستفيد من غشه، لأن علمه هذا يعد احتيالا على القانون، فلا يسمح له أن يستفيد من احتياله أو غشه، بالإضافة إلى هذا فإن هذا الشفيع يعتبر غيرا في عقد البيع، وبالتالي لا يمكن أن يواجه بالثمن الصوري إذا لم يكن على علم به ، وإذا كان العقد صوريا ولو في جزء منه – كالثمن مثلا – فإن الشفيع إذا كان حسن النية ، لا يأخذ إلا بالثمن المذكور في العقد الظاهر، ولو كان هذا الثمن صوريا كان أقل من الثمن المؤدى.
وقد انتقد هذا الرأي لأنه يخرج عن إرادة الشارع، كما يبعد عن الوظيفة الاجتماعية والاقتصادية للشفعة ، زيادة إلى أنه يؤدى إلى الإضرار بالمشفوع منه ولا يمكن أن يقال أن البائع والمشتري قد قصدا غش الشفيع، وأن القانون لا يحمي الغش إذ المغشوش هو إدارة التسجيل، وليس من وجه لجعل الشفيع ليستفيد من غش لم يكن مقصودا به .
ويبقى الرأي الذي نراه صائبا والذي يتماشى مع السبب الذي شرعت من أجله الشفعة – وهو رفع الضرر – وهدف المشرع، هو الرأي الذي أعطى للمشفوع منه حق إثبات صورية الثمن إذا كان الثمن المبين بعقد البيع أقل من الثمن الحقيقي الذي حصل به البيع فعلا.


مواضيع قد تفيدك: