عيوب النظام المصرفي الجزائري:
يواجه النظام المصرفي الجزائري تحديات هيكلية ومالية كبيرة تعيق دوره الفعّال في دعم التنمية، حيث يتميز بهيمنة البنوك العمومية التي تحدّ من المنافسة والابتكار. ويُعد الارتفاع المستمر في نسبة القروض المتعثرة ومعالجة أزمات السيولة الدورية من أبرز التحديات المالية التي تضغط على رؤوس أموال البنوك. كما يعاني القطاع من تأخر ملحوظ في مواكبة التحول الرقمي وتطبيق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مما يؤدي إلى بطء الإجراءات وبيروقراطية في منح الائتمان وضعف في جودة الخدمات المقدمة للعملاء، الأمر الذي يتطلب إصلاحات عميقة لرفع كفاءته ومرونته.
الهيمنة الهيكلية وضعف المنافسة:
إن من أبرز السمات الهيكلية للنظام المصرفي الجزائري هي الهيمنة شبه المطلقة للبنوك العمومية. على الرغم من السماح بإنشاء بنوك خاصة وأجنبية منذ التسعينيات، إلا أن البنوك المملوكة للدولة لا تزال تستحوذ على الحصة الأكبر من الودائع والأصول والائتمان الممنوح.
- تأثير الهيمنة: تؤدي هذه الهيمنة إلى ضعف حقيقي في المنافسة، حيث لا تضطر البنوك العمومية بالضرورة إلى تحسين خدماتها أو تبني الابتكار بنفس الوتيرة التي تفرضها الأسواق المصرفية التنافسية.
- الإقراض الموجه: تاريخياً، كانت البنوك العمومية أداة لتمويل المشاريع الحكومية، وقد تدخلت السلطات أحياناً في قرارات الإقراض، مما أدى إلى منح قروض لأهداف سياسية أو اجتماعية بدلاً من الاعتماد الكلي على المعايير الاقتصادية الصارمة وتحليل المخاطر، وهذا يخلق مشكلة ضعف الحوكمة المصرفية.
أزمة السيولة وعبء القروض المتعثرة:
يُعد موضوع القروض المتعثرة (Non-Performing Loans - NPLs) من أخطر المشاكل التي تهدد استقرار القطاع.
- ارتفاع القروض المتعثرة: شهدت محافظ البنوك الجزائرية ارتفاعاً كبيراً في نسبة القروض المتعثرة، خاصة تلك الممنوحة لمؤسسات عمومية أو بعض كبار المتعاملين الاقتصاديين الذين واجهوا صعوبات أو تورطوا في قضايا. هذا الارتفاع يستنزف احتياطات البنوك ويقلل من قدرتها على الإقراض الجديد.
- الضغط على السيولة: إضافة إلى ذلك، يعاني النظام المصرفي بشكل دوري من أزمة سيولة، خاصة البنوك العمومية. هذا النقص يجعل البنوك أقل قدرة على تلبية طلبات القروض، ويدفعها أحياناً للجوء إلى آليات تمويل غير تقليدية أو اللجوء إلى البنك المركزي.
- بطء الإجراءات: تتميز إجراءات منح القروض في الكثير من الأحيان بالبيروقراطية المفرطة والبطء الشديد، مما يعيق الاستثمار ويؤثر سلباً على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تحتاج إلى استجابة سريعة.
تحديات العصرنة والتحول الرقمي:
يشكل التأخر في مواكبة التطورات التكنولوجية المالية (FinTech) عائقاً كبيراً أمام تطور النظام.
- ضعف الأتمتة: لا تزال العديد من العمليات المصرفية تعتمد على الإجراءات الورقية والتدخل البشري بشكل كبير، مما يؤدي إلى زيادة التكاليف وتأخير المعاملات وزيادة فرص الأخطاء.
- غياب الخدمات المبتكرة: بالمقارنة مع البنوك الدولية، لا تزال الخدمات الرقمية التي تقدمها البنوك الجزائرية محدودة. هناك تأخر في تبني الدفع الإلكتروني عبر الإنترنت والهاتف (Mobile Payment) وأنظمة الدفع الفوري الفعالة، مما يبقي نسبة كبيرة من المعاملات تتم نقداً خارج القنوات المصرفية الرسمية.
- الحاجة إلى تحديث أنظمة المعلومات: تحتاج البنوك إلى استثمارات ضخمة لتحديث أنظمة تكنولوجيا المعلومات الخاصة بها لضمان الأمان والسرعة والقدرة على دمج الخدمات الحديثة.
الموارد البشرية والخدمات المصرفية:
- ضعف الكفاءات: يعاني القطاع من نقص في الكوادر المصرفية المتخصصة والمدربة على أحدث تقنيات الإدارة المالية وتحليل المخاطر ونظم المعلومات المصرفية.
- جودة الخدمات: غالباً ما تُوصف جودة الخدمات المصرفية المقدمة للعملاء بأنها متدنية مقارنة بالمعايير العالمية، حيث تفتقر إلى المرونة والسرعة في تلبية احتياجات العملاء، مما يدفع الأفراد والشركات للبحث عن حلول خارج نطاق البنوك التقليدية.
- محدودية المنتجات: تتركز المنتجات المصرفية في الجزائر على الائتمان الكلاسيكي والودائع التقليدية، مع ضعف في تقديم منتجات متخصصة مثل التمويل الإسلامي المتكامل، أو خدمات إدارة الثروات المعقدة.
باختصار، النظام المصرفي الجزائري نظام ذو هيمنة عمومية، يعاني من عبء تاريخي للقروض المتعثرة، وبطء في التحديث التكنولوجي، مما يؤثر على قدرته التنافسية وفعاليته في دعم التنمية الاقتصادية الشاملة.