مدرسة الأمراء الإشعاع العلمي والحضاري لقبيلة أحمر.. تنحية قائد القبيلة وتولية معلم القرآن الفقيه هدي بن الضو مكانه



دواعي تأسيس مدرسة الأمراء:
يستفاد من الإشارات الواردة في معرض حديت الباشا إدريس منو، عن صباه وصبا أولاد الحسن الأول، أن تأسيس مدرسة الأمراء بمدينة الشماعية بمنطقة أحمر، تم في عهد السلطان محمد بن عبد الله (1) (1171 ھ ـ 1204 ھ / 1775 م ـ 1790 م)، ويروى في هذا السياق أن السلطان وصل في بعض أسفاره التفقدية إلى بلاد أحمر، وخرج ذات ليلة لتفقد الأحوال، فرأى جماعات من القراء يرتلون القرآن، ورأى فقيها مشرفا على تلك الجماعات ومربيا لها، مفسرا لبعض الآيات فسره ذلك كثيرا.
وفي الغد جاء القواد والأعيان لاستقباله، وقدم له القراء وكان من بينهم ذلك الفقيه الذي رآه، فأمر بتنحية القائد وعين ذلك الفقيه مكانه وقال للناس: إن أهل القرآن والمعرفة أولى بالولاية من غيرهم، (2) ثم قال للفقيه، القائد الجديد (هدي بن الضو): أحب أن تنظر لي مكانا أشيد فيه دارا ليتعلم فيـها أولادي بين ظهرانيكم، لما أعجبني من سمتكم ومحبتكم لحفظ القرآن، فذلك هو السبب ـ يقول إدريس منوـ « حتى صار أولاده ثم أحفاده يتعلمون هناك إلى أن وصلتنا نوبتنا...» (3).
لكن هذا العامل وحده، لم يكن في نظرنا كافيا، لتفسير تأسيس هذه المؤسسة التربوية التكوينية للأمراء العلويين، في منطقة عرفت بكونها «... كئيبة، وخالية من الماء، ومن الشجر ومن الفلاحة...» (4) وإنما هو فقط مدعم للسياسة التربوية التي سلكها السلطان سيدي محمد بن عبد الله في تربية أبنائه، خاصة بعد الحملات العسكرية التي قادها ضده ابنه اليزيد الذي «... ابتلاه الله بمخالطة أهل الشر والفساد، فانعكست أحواله بصحبة الأحداث الذين زينوا له الإثراء على الحكم...» (5)، حتى وقر ذلك في نفسه وارتسم فيه، وقد فعل ذلك أعيان جروان سنة 1182 ھ / 1768 م، عندما كان واليا عليهم، وهم يومئذ من أعظم قبائل البربر خيلا ورجالا، كما فعلها كبراء جيش العبيد في مكناس، حيت خالفوا أوامر السلطان، وبايعوا المولى اليزيد سنة 1189ھ / 1775 م (6) وبسبب ذلك انحل نطاق الملك، وسرى الفساد في القبائل كلها عربا وعجما ولولا حسن سياسة السلطان محمد بن عبد الله وسداد رأيه في إطفاء غائلة ذلك لاندثر عقد الدولة (7).
ومن الإجراءات التي اتخذها محمد بن عبد الله، للحد من مثل هذه الانفلاتات، سنه لسياسة جديدة في تربية أبنائه، تجلى مضمونها في ضمان تعلمهم بعيدا عن صخب المراكز الحضرية، وما توفره من مرتع خصب لنمو التطلعات  السياسية، وهذا ما يفسر لماذا تلقى مولاي سليمان وبعض إخوانه جل تعليمهم خارج المدن الكبيرة، (8) كما يفسر اهتمام السلطان بتعليم أبنائه بمنطقة أحمر.
وبالنظر لأهمية سياسة تربية السلطان لأبنائه، فقد صار عليها كل السلاطين الذين خلفوه، حيت أصبحت « تربية الأمراء خلال القرن 19، صعبة وجدية، وتتم في وسط قاس، بعيدا عن رفاهية القصور الملكية...» (9).
وكان الهدف من ذلك ـ كما يؤكده السلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام (1238 ھ ـ 1276ھ / 1822 م ـ 1859 م)، في رسالة وجهها إلى القائد بوسلهام بن علي سنة (1253 ھ / 1837 م) ـ هو« الدفع بهم إلى تحمل الحياة القاسية والتخلي عن اللباس الرفيع وملذات المائدة، أعطيهم الأكل الذي يتناوله في غالب الأحيان سكان المنطقة: الذرة، والسورغو، وأشياء مشابهة لهما، لا يجب أن يشربوا الشاي إلا في أيام الراحة مثل يوم الخميس، كما عبر عن ذلك خالنا ـ رحمه الله ـ إلى أحد الحكام عندما أرسل له أحد أبنائه لنفس الهدف: أرسلته خصيصا ليتعود على أكل البلبولة، والعصيدة، وبوشيار، وأشياء مشابهة لهم » (10)
وإذا كانت السياسة التربوية للسلطان محمد بن عبد الله، تعتبر من بين العوامل الأساسية في تفسير تأسيس مدرسةالأمراء بقبيلة أحمر، فإن هذا التشريف في نظرنا له علاقة بالاستقبال الذي كانت قبيلة أحمر قد خصت به السلطان حينما عينه والده السلطان مولاي عبد الله (1729 م ـ 1757 م) خليفة له على الحوز،« فخرج عنه الرحامنة وأهل مراكش..» (11) و« تلقته عبدة وأحمر بالهدايا المعتبرة وهم في ألف وستمائة فارس، فاستضافوه ببلادهم، ولعبت الناس على الخيل فرحا بمقدمه وتنويها بشأنه...» (12).
كما كانت قبيلة أحمر، من ضمن الجيش النظامي الذي شكله وهو لا زال خليفة لوالده، «وهكذا جند أفرادا من قبائل عبدة، وأحمر، والرحامنة، لتشكيل نواة جيش نظامي..»(13).
يضاف إلى ذلك، الأهمية التي كانت لمنطقة أحمر، حيت « اشتهرت منذ أواخر السعديين وبداية العلويين، بأنها مركز للتدريب أو مدرسة للرماة...» (14).
وإذا كنا لا نعرف بالضبط، تاريخ ظهور المدرسة الحمرية للرماية، فإن ارتباطها بالأخوين سيدي سعيد، وسيدي علي ابني ناصر الحمري، اللذان يعتبرا أول من استوطن منطقة أحمر من الحمريين، يجعلنا نقر بأن تاريخ ظهورها، هو فترة بداية توسعات الدولة السعدية، التي اتخذت الحمريين كجنود لتصد بهم البرتغال، الذين كانوا قد توغلوا انطلاقا من آسفي، إلى الداخل بأحواز مراكش (15).
وقد صارت قبيلة أحمر ـ مع مر الزمن ـ هي المدرسة الأولى للرماية في المغرب، وانتزعت تقدير الجميع من ملوك وسواهم، وعرف عن السلطان المولى إسماعيل أنه كان يبعث بغلمانه ليتعلموا الرماية على أشياخها في قبيلة أحمر، ثم استمر ذلك على يد السلاطين من بعده (16).
1ـ محمد المختار السوسي، حول مائدة الغداء، الطبعة الأولى 1983، ص23.
2ـ علا ل الفاسي، اهتمام الأسرة العلوية بحفظ القرآن، دعوة الحق عدد 4 السنة 11 فبراير 1968، ص 20 ـ 23.
3 ـ محمد المختار السوسي، حول مائدة الغداء، ص 24.
4- M – ennaji. Soldats domestiques et concubines
Edditions EDF 1994 p 159.
5ـ محمد الكانوني، علاقة آسفي ومنطقتها بملوكها، تحقيق... ط 1 ص 100.
6ـ أحمد الوارث، محاولة مولاي اليزيد العلوي إرساء طبائع جديد في البلاد، المناهل عدد 69 ـ 70 يناير 2004 ص 175.
7ـ محمد الكانوني، علائق آسفي… ص 97
8ـ محمد منصور، مولاي سليمان ملك لا همة له إلى الملك، مذكرات التراث المغربي ج 4 ص 176.
9- M – Ennaji, Soldats…op. Cit. p 154
10- Ibid. p 158
11ـ محمد الكانوني، علائق آسفي ومنطقتها بملوك المغرب، تحقيق... ص 95.
12ـ محمد الكانوني، علائق آسفي... ص 95.
13ـ سليمان الحوات، الروضة المقصودة والحلل الممدودة في مآثر بني
سودة، دراسة وتحقيق عبد العزيز تيلاني، ط 1 سنة 1994 ج 1 ص 77 ـ 78
14ـ عبد الهادي التازي، القنص بالصقر بين المشرق والمغرب، منشورات.
المعهد الجامعي للبحث العلمي 1980 م / 1400 ه ص 41.
15ـ المصطفى حمزة، ورقات من تاريخ أحمر، تاريخ أسفي من الحقبة القديمة إلى الفترة المعاصرة، منشورات مؤسسة دكالةـ عبدة للثقافة والتنمية، العدد 1 السنة 2000 ص 95 ـ 102
16ـ محمد المنوني، قطعة من نشاط الرماية الشعبية بالجنوب المغربي تقديم وتحقيق، ص 109 .    
للباحث مصطفى حمزة.


مواضيع قد تفيدك: