مدينة الشماعية: تاريخ عريق وتحديات معاصرة
تُعدّ مدينة الشماعية إحدى الحواضر الهامة في منطقة أحمر بالمغرب، وتتمتع بموقع جغرافي استراتيجي، فهي تقع على بعد 70 كيلومترًا من عاصمة الإقليم، وتتوسط المسافة بين مدينتي آسفي ومراكش، مما يجعلها محورًا طرقيًا رئيسيًا في المنطقة. يبلغ عدد سكانها حوالي 23 ألف نسمة، وهي تشهد نموًا ديموغرافيًا متزايدًا بسبب الهجرة القروية.
لمحة تاريخية عن مدينة الشماعية:
تتميز الشماعية بتاريخ عريق يعكس تعاقب الحضارات عليها. في الماضي، كانت المنطقة تحت سيطرة قبيلتين من قبائل مصمودة. ومع ضعف دولة الموحدين، شهدت المنطقة موجات من الهجرات القبلية، حيث استقرت فيها قبائل تنتمي إلى بني هلال بحثًا عن الماء والكلأ، إلى أن استقر الحمريون ليشكلوا بذلك المكون السكاني الأساسي للمنطقة.
الواقع الاقتصادي والاجتماعي:
تواجه المدينة تحديات تنموية، خاصة في محيطها حيث توجد العديد من الدواوير التي تفتقر للخدمات الأساسية. ورغم ذلك، تُعدّ المدينة مركزًا اقتصاديًا نشطًا، ويعتبر السوق الأسبوعي "أخميس زيمة" أحد أكبر الأسواق في دائرة أحمر. يشكل هذا السوق مصدرًا مهمًا للدخل المالي للجماعة، التي تعتمد بشكل أساسي على الضرائب المحصلة.
بحيرة زيما: ثروة طبيعية وتاريخية
على بعد كيلومترين غرب الشماعية، تقع بحيرة زيما، وهي بحيرة ملحية فريدة من نوعها تُعتبر كنزًا طبيعيًا واقتصاديًا. تتميز البحيرة بجمالها الطبيعي الخلاب، حيث تظهر تلال الملح ناصعة البياض وكأنها أكوام ثلج، وتحيط بها مساحة مائية شاسعة تمتد على حوالي 550 هكتارًا، وتنمو حولها نباتات خضراء.
الأهمية التاريخية والاقتصادية للبحيرة:
- مركز تجاري قديم: لعبت بحيرة زيما دورًا اقتصاديًا وتجاريًا حيويًا في الماضي، حيث كانت محطة استراحة للقوافل التجارية التي كانت تربط بين مدن مثل آسفي، مراكش، أزمور، وأغمات.
- منجم طبيعي للملح: تُعدّ البحيرة من أقدم مواقع إنتاج الملح في المنطقة، حيث يتم استخلاص الملح منها بطرق تقليدية بسيطة بعد تبخر المياه. يتميز ملح زيما باحتوائه على نسبة عالية من الماغنسيوم، مما يجعله مطلوبًا من قبل مصانع التعليب. كما تُستخدم تربة البحيرة كواقي طبيعي من أشعة الشمس الحارقة.
- شهادات تاريخية: وثّق الرحالة الإنجليزي "ليرد ارتر" في كتابه "المغرب والمغاربة" منظر البحيرة، واصفًا تلال الملح وكأنها ثلوج ممتدة، ومؤكدًا على أهميتها الاقتصادية.
الأهمية البيئية للبحيرة:
- محطة للطيور المهاجرة: أصبحت بحيرة زيما وجهة مفضلة للعديد من الطيور المهاجرة من أوروبا وأفريقيا، حيث تستقر فيها خلال فصلي الشتاء والربيع. كما تستوطن البحيرة حوالي 20 نوعًا من الطيور على مدار السنة.
- تنوع نباتي فريد: توصلت الأبحاث العلمية إلى وجود أنواع نادرة من الأزهار والنباتات في المنطقة، والتي لا توجد في أي مكان آخر، وتحمل أهمية صحية كبيرة. لكن هذه النباتات تفتقر للأسف إلى العناية اللازمة.
التحديات التي تواجه بحيرة زيما:
على الرغم من أهميتها التاريخية والبيئية والاقتصادية، تواجه بحيرة زيما تحديات جدية قد تهدد وجودها. تقع البحيرة في منطقة منخفضة، مما يجعلها عرضة للتلوث بسبب المياه المستعملة. هذا التلوث يمكن أن يؤثر سلبًا على الحياة البرية في البحيرة، وخاصة الطيور المهاجرة، كما قد يؤدي إلى تراجع إنتاج الملح في المنطقة التي تعاني أصلاً من ضعف الفرشة المائية.