اليوسفية مدينة الفوسفاط والثروات المهدورة.. لوي جانتي مدينة التراب. بوكراع. الزلاقة. الريطب. الداخلة. الحي الحسني. الغدير. الراية



تحتضن مدينة اليوسفية ونواحيها أكبر احياطيات المغرب والعالم من الفوسفاط وهي تقع وسط المملكة على بعد 60 كيلومترا من بن جرير و90 كيلومترا إلى الشرق من آسفي، و100 كيلومتر من مراكش و230 كيلومترا جنوب الدار البيضاء.
يبلغ عدد سكانها حوالي 60 ألف نسمة ينتمون في معظمهم إلى قبائل «احمر» المنتسبة إلى قبائل عربية مشرقية باليمن (بنو معقل).
ويشتهر شيوخ قبائل «أحمر» بالفروسية والرماية وتربية الصقور والصيد بها.
أما مدينة اليوسفية فتشتهر باستخراج الفوسفاط منذ الثلاثينات من القرن 20، حيث يبلغ إنتاجها 33 في المائة من الإنتاج المغربي من هذه المادة.
وتشكل منطقة اليوسفية الجزء الغربي من ركازة «الغنطور» وقد انطلق الاستغلال سنة 1931 بالجزء الشمالي الغربي من الموقع وأدى إلى إنشاء المركز الفوسفاطي لليوسفية المعروفة آنئذ تحت اسم «لوي جانتي».
ويقدر الاحتياطي في هذه المنطقة بـ 10.2 ملايير طن.
 وتتكون ركازة الفوسفاط باليوسفية من نوعين من المعادن، فوسفاط «أبيض» يحتوي على مواد عضوية قليلة، انطلق استغلاله سنة 1931، وفوسفاط «أسود» شرع في استغلاله في نهاية عقد الستينات، وهو غني بالمواد العضوية.
واشتهرت اليوسفية باسم «لويس جونتي» أو «لويجانطي» أو «ويجاطي»، كما يطلق عليها المنحدرون من قبيلة «احمر»، أو «مدينة التراب»، كما يسميها الكاتب المغربي إدريس الخوري، اليوسفية تلك البلدة الواطنة بتخوم منطقة احمر الحابلة بخيرات الفوسفاط، وطأت سلطات الحماية بأقدامها هناك مع مطلع القرن الماضي حيث بدأت استخراج الفوسفاط واستغلاله بداية 1927 بخبرات فرنسية، وأحدثت أولى الوحدات الصناعية بهضبة الكنتور»، وامتدت خطوط السكك الحديدية في اتجاه ميناء آسفي لتنتقل خيرات البلاد إلى أوربا. 
كان المرور عبر المسافة المتبقية بين بن جرير والتي تبلغ 26 كيلومترا واليوسفية شاقا وصعبا ومتعبا، كما عايناه من خلال الحافلة الوحيدة القادمة من الدار البيضاء والتي تربطها باليوسفية، والتي اضطررنا إلى ركوبها بعد أن لم نجد وسيلة ركوب مريحة مثل القطار، لتوصلنا إلى هذه المدينة المعزولة المهمشة، والتي يعيش سكانها الذين لا يتجاوز عددهم الـ 60 ألف نسمة، في أوضاع اجتماعية وإنسانية مزرية، وكاد السائق يفقد أعصابه كما أن الركاب ضاقوا ذرعا بتلك المسافة المتبقية، والتي مرت على الجميع مرور الدهر، قبل الوصول إلى مدينة التراب زائرين أو قاطنين بها.
ولا أعتقد أن من يجرب الرحلة إلى اليوسفية سيختلف معي أو مع كل من جرب السفر إليها عبر الحافلة العمومية أو السيارة أو الشاحنة، في الشعور بنفس الأحاسيس والمشاعر التي تجعله يظن أنه لا يقطن بالمغرب بل بمنطقة من المناطق المنكوبة التي تعودنا رؤيتها في التلفزيون.
أثناء تلك المسافة أو الطريق كانت العين إذا التفتت يمينا أو شمالا يخيل إليك، أنك في صحراء قاحلة حيث لا ماء ولا زرع ولا حقول للفلاحة التقليدية أو العصرية، يمكن أن تدخل البهجة إلى النفوس وتسر الناظرين، لا مناطق خضراء خاصة بزراعة القمح أو الشعير أو الخضر أو الفواكه كما تعود المواطن المغربي مشاهدتها هنا وهناك في مناطق مختلفة من البلاد، ولا دواوير، توحي أنها تنتمي إلى العالم القروي الحديث الذي يتوفر على شبكة الربط الكهربائي، بل الأدهى من ذلك أنك إذا وجدت دوارا نائيا فإنك تفاجأ بالسحنات المشدودة لسكانه والتي لفحها الحر والقر، وبنمط لباسهم وعيشهم وكأنهم ينتمون إلى عصر آخر غير القرن الواحد والعشرين.
 تلك هي اللوحة التي تصدم عينيك وتهز مشاعرك وتمطر على ذهنك عشرات الأسئلة والاستفهامات وأنت مقبل على مدينة اليوسفية التي ظلت تسمى بـ «لوي جانتي» والتي تأتي في المرتبة الثانية بعد مدينة خريبكة، العاصمة العالمية للفوسفاط، من حيث اكتشافه والذي بدأ بها عشر سنوات بعد خريبكة أي منذ عالم 1931 إلى الآن.
إن المقارنة بين المدينتين تبدو لأول وهلة وبالنسبة لكل مهتم بواقع المدن المنجمية ببلادنا، مقارنة صادمة للفكر والعقل والقلب، حيث لا قياس مع وجود فارق بمعدل السنوات الضوئية، ولا حتى بمعدل المسافات الكيلومترية.
ويعتقد المرء اليوم - بعد 77 سنة من الشروع في استغلال الفوسفاط - لأنه لولا اكتشاف هذه الثروة الباطنية بمدينة اليوسفية لكان اسمها منعدما على الخارطة، ولا كان بإمكان أحد أن يعرفها أو أن يعرف عنها شيئا.
بعد أن أشرفنا على مدينة اليوسفية خيل إلي وإلى كل الراكبين الذين لا عهد لهم بهذه المدينة، أننا على أبواب مدينة القاهرة نظرا للشكل الهرمي لأطنان مختلفات الفوسفاط الملقاة على مداخل مدينة اليوسفية، لكن شتان بين أهرامات فراعنة مصر، والتي لازالت ألغازها تحير علماء الآثار منذ آلاف السنين دون أن تتسبب في تلوث بيئي أو في ظهور أمراض خطيرة أو معدية، وحتى الزلازل لم تنل منها عبر العصور، وأهرامات اليوسفية المكونة من أكوام مخلفات الفوسفاط، من أحجار وغبار وأتربة، التي أكد لنا بعد ذلك بعض أبناء اليوسفية الذين دردشنا معهم أنها أضرت في مجموعها بصحة الإنسان والحيوان والنبات، وتسببت في التلوث البيئي، ناهيك عن معمل تنشيف الفوسفاط الذي يوجد بمدخل المدينة، والذي تنبعث منه أدخنة تسببت في ظهور أمراض الجهاز التنفسي والحساسية وأمراض أخرى لدى ساكنة اليوسفية، كما ينبعث منه أيضا غبار ساهم بشكل فعال في تراكم الأوساخ بالمدينة.
إن هذه الوضعية المزرية والخطيرة في وقت واحد والتي لم تتحرك السلطات المنتخبة أو المحلية لمعالجتها والحد من آثارها الكارثية على مدينة برمتها هي في وضعية الاحتضار قد تصدم الكثير منا، لكن المواطن اليوسفي يتعايش معها رغما عنه، أعني به المواطن الذي لم يجد وسيلة للهروب إلى خارج اليوسفية، للإقامة في المدن المجاورة كمراكش أو آسفي أو الجديدة أو الدار البيضاء نظرا لفقره، كما لاحظنا ذلك عندما قمنا بجولة في عدة أحياء من المدينة المنكوبة، أو لعجزه مادام أن معظم ساكنة اليوسفية هم من الذين اشتغلوا في الفوسفاط وأفنوا زهرة شبابهم في استخراج هذه الثروة الباطنية لعقود ولما أحيلوا على التقاعد، لفهم النسيان وتركوا فريسة للتهميش والفقر.
لقد كانت الصورة أو المشهد أكثر سوداوية ودراماتيكية، عندما قمنا بزيارات متفرقة للأحياء التي قال لنا مرافقنا عنها إنها تعتبر نموذجا صارخا على سياسة التفقير والتهميش التي نهجتها الحكومات منذ عقود في حق هذه المدينة بذريعة أنها كانت تمثل بؤرة للاحتجاج الذي كانت تستغله المعارضة السابقة في صراعها مع الدولة.
فكان الجواب هو أن ضرب حولها الحصار ولفها التعتيم الإعلامي، ولم يعد المواطن المغربي يعرف عنها شيئا إلا من خلال رياضة «الجمباز» عندما كانت تنجب أبطال وبطلات الجمباز أيام الثمانينات.
جل الأحياء الشعبية كحي «بوكراع» و«الزلاقة» و«الريطب» و«الداخلة» و«الحي الحسني»، وحي «الفوسفاط» الذي تعتبره الساكنة أرقى حي بالمدينة، تعيش تحت ظل بنية تحتية مهترئة، الأزقة والطرقات غير معبدة ومليئة بالأوساخ والغبار والأحجار، والإنارة غير كافية والحفر في كل مكان، مدينة يمكن تصنيفها كما قال مرافقي ابن اليوسفية وبالدرجة الأولى في مصاف المدن المنكوبة، نظرا لحجم الإهمال والتهميش وغياب العناية التامة التي منيت بها اليوسفية من طرف من أنيطت بهم مسؤولية تسيير شؤونها المحلية.
مدينة تعيش في ظل فوضى وغياب أبسط ضروريات التنظيم انطلاقا من محطة الطاكسيات والسوق الأسبوعي والأزقة والشوارع القليلة، حتى أن الخيال يذهب بك بعيدا، فتشعر أنك في منطقة نائية ومعزولة عن العالم.


مواضيع قد تفيدك: