التضخم النقدي نوع من رخص النقود الاصطلاحية.. التضخم النقدي الذي يعتري الأوراق النقدية انخفاض في قيمتها الشرائية التبادلية



ذهب جماعة من الفقهاء والباحثين إلى أن التضخم الذي يعتري النقود الورقية هو من قبيل رخص النقود الاصطلاحية الفلوس الذي تكلم عنه الفقهاء المتقدمون([1]).
ووجه هذا أن الأوراق النقدية نقود اصطلاحية، والتضخم النقدي الذي يعتريها انخفاض في قيمتها الشرائية التبادلية، وهذا هو الذي عبّر عنه الفقهاء المتقدمون برخص النقود.
نوقش هذا التخريج بأمور:
أولاً: أن مصطلح التضخم النقدي لم يكن معروفاً من قبل، ولم يرد له ذكر في كلام الفقهاء المتقدمين.
يجاب على هذا: بأن حداثة المصطلح وجدّته لا يلزم منهما حداثة المعنى. فالتضخم النقدي مصطلح حديث لأمر قديم يعتري النقود منذ زمن بعيد لاسيما النقود الاصطلاحية بأنواعها المعدنية والورقية، كما تقدم بيانه في مبحث نشأة التضخم النقدي وتأريخه([2]).
ثانياً: أن رخص الفلوس وغلاءها الذي تكلم عنه الفقهاء ليس هو ما يُعرف بالتضخم النقدي اليوم. وذلك لأن ما تكلم عنه الفقهاء من رخص الفلوس وغلائها ينحصر في علاقتها بالذهب والفضة فقط، وهذا يخالف المعيار الذي يعرف به التضخم النقدي، وهو انخفاض القوة التبادلية للنقود، وهي قيمة النقود إزاء مجموعة سلع وخدمات([3]).
يجاب على هذا: بأن نسبة رخص الفلوس إلى الذهب والفضة لا يمنع من تخريج التضخم النقدي عليه؛ لأن هذه النسبة لا تعدو كونها معياراً ومؤشراً لمعدل الرخص ومقداره، فإن الذهب والفضة لم يكونا مجرد سلعة، بل كانا نقوداً تقوُّم بها الأشياء([4])، ولذلك نُسِبَ رخص الفلوس وغلاؤها إليهما، ولا يلزم من هذه النسبة انحصار ذلك في الذهب والفضة، بل يمتد ذلك وينعكس على سائر السلع([5])، فهذا الفرق غير مؤثر ولا مانع من تخريج التضخم النقدي الذي يصيب الأوراق النقدية على رخص الفلوس.
ثالثاً: أن الفلوس نقود مساعدة بخلاف الأوراق النقدية فإنها نقود أساسية، ولذلك لا يسوغ إلحاق التضخم النقدي الطارئ على الأوراق النقدية برخص الفلوس([6]).
يجاب على هذا بما يأتي:
الأول: أن الفلوس استعملت نقوداً أساسية رئيسة يقوُّم بها كل شيء حتى الذهب والفضة كما تقدم بيانه([7]).
الثاني: أنه على فرض التسليم بأن الفلوس نقود مساعدة فإن ذلك لا يمنع إلحاق الأوراق النقدية بها بجامع أنهما نقود اصطلاحية، وإن اختلفا في صفة الاستعمال.
الثالث: أن وظيفة النقود الأساسية على اختلاف أنواعها؛ الخلقية: الذهب والفضة، والاصطلاحية: المعدنية والورقية، أنها معيار لتقويم السلع والخدمات، فلا بد أن يعتريها نقص أو زيادة. فلا فرق بين الفلوس ولا غيرها من النقود الاصطلاحية، بل حتى النقود الخلقية: الذهب والفضة.
([1]) ينظر: شرح القواعد الفقهية للزرقا ص (174)، قاعدة المثلي والقيمي في الفقه الإسلامي ص (203)، بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة (1/290)، آثار التغيرات في قيمة النقود وكيفية معالجتها ص (400)، تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ص (275)، أحكام تغير قيمة العملة النقدية وأثرها في تسديد القرض ص (111)، مجلة المسلم المعاصر، تقلبات القوة الشرائية، للدكتور شوقي دنيا، العدد (41)، ص (66)، آثار التضخم على العلاقات التعاقدية للدكتور رفيق المصري ص (17)، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، حكم الشرع في تعديل ما ترتب بذمة المدين، للشيخ بن بيه، العدد (30)، ص (9، 33)، مجلة البحوث الإسلامية، قيمة النقود وأحكام تغيراتها في الفقه الإسلامي، محمد علي بن حسين الحريري، العدد (40)، ص (343).
([2]) ص (77).
([3]) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (8/3/579) (9/2/423، 688).
([4]) ينظر: عدة البروق ص (687).
([5]) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (8/3/577).
([6]) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (8/3/579) (9/2/423).
([7]) ص (62).


مواضيع قد تفيدك: