الاختلاف بين المتعاقدين في قيمة العين المودعة.. القيمة تقدر بوقت وجوب الضمان أو بيوم الانقطاع عن أيدي الناس

الاختلاف بين المتعاقدين في قيمة العين المودعة:
وهذا إن كان المضمون قيماً، وهكذا عند تعذر المثل فتضمن الوديعة بالقيمة، وهي مثل قاصر، ويصار إليه للضرورة.
فإذا ثبت الضمان، واختلف المتعاقدان في تقدير القيمة ، فللعلماء أقوال في تقدير القيمة:
القول الأول: أن القيمة تقدر بوقت وجوب الضمان.
وهو قول المالكية، وأبو يوسف من الحنفية.
أدلتهم:
الدليل الأول: أنه لما انقطع المثل فقد التحق بما لا مثل له في وجوب اعتبار القيمة، والخلف إنما يجب بالسبب الذي يجب به الأصل، وذلك هو التعدي والتفريط ، فتعتبر قيمته يوم التعدي والتفريط.
الدليل الثاني: أن الحكم معلق بذمته بالتعدي لا بالحكم إذ مطالبة الحاكم إنما هي بأمر قد تقدم وجوبه ، وإنما ينكشف بالحكم مقدار ما انشغلت به ذمته.
القول الثاني: تقدر القيمة بيوم الانقطاع عن أيدي الناس، فتعتبر قيمته آخر يوم كان موجوداً فيه فانقطع وهو قول محمد بن الحسن من الحنفية، و المشهور عند الحنابلة.
أدلتهم:
الدليل الأول: أن التعدي والتفريط أوجب المثل خلفاً عن رد العين، وصار ذلك ديناً في ذمته ، فلا يوجب القيمة أيضاً؛ لأن السبب الواحد لا يوجب ضمانين ، ولكن المصير إلى القيمة للعجز عن أداء المثل وذلك بالانقطاع عن أيدي الناس، فتعتبر قيمته بآخر يوم كان موجوداً فيه.
الدليل الثاني: أنه بانقطاع المثل ، يسقط وتجب القيمة، فأشبه تلف المتقومات.
القول الثالث: تعتبر القيمة وقت القضاء.
وهو قول الحنفية.
وأدلتهم:
الدليل الأول: أن التحول إليه الآن يكون ، فإن المثل واجب في الذمة وهو مطلوب له حتى لو صبر إلى مجيء أوانه كان له أن يطالبه بالمثل ، فإنما يتحول إلى القيمة عند تحقق العجز عن المثل، وذلك وقت الخصومة والقضاء.
الدليل الثاني: أن القيمة لم تنتقل إلى ذمته إلا حين الحكم بها.
القول الرابع: تقدر قيمة المثلي بأقصى القيم، من وقت الضمان إلى وقت تعذر المثل.
وهو قول الشافعية.
أدلتهم:
الدليل الأول: أن وجود المثل كبقاء العين المضمونة، لأنه كان مأموراً بتسليمه، كما كان مأموراً بتسليم العين ، فإذا لم يفعل غرم أقصى قيمة في المدتين، كما أن المتقوم يضمن بأقصى قيمة لذلك ولا نظر إلى ما بعد انقطاع المثل، كما لا نظر إلى ما بعد تلف المضمون المتقوم.
الدليل الثاني: أن صاحب الوديعة كان يستطيع أن يبيع وديعته بأعلى سعر يجده، فلما فوتها عليه فإنه يتحمل أعلى الأسعار حتى لا يضيع حق المودِع بعدوان المودَع.
القول الخامس: تجب قيمته يوم قبض البدل.
وهو قول القاضي أبي يعلى من الحنابلة.
ودليله:
أن الضمان لم ينقل الوجوب إلى القيمة، بدليل ما لو وجد المثل بعد ذلك وجب رده.
الترجيح:
والراجح - والله أعلم - هو قول الشافعية، وهو التقدير بأقصى القيم.
لأن قول الحنفية: أن المثل يقدر بقيمته يوم الخصومة والقضاء، لا ينضبط؛ لأن الخصومة قد تكون في وقت والقضاء في وقت آخر، وهذا يختلف من عصر إلى عصر، خاصة في عصرنا هذا، لطول جلسات التقاضي، وتقلبات الأسعار السريعة.
ولأن قول محمد بن الحسن: "بأنه عند الانقطاع"، يصعب فيه تحديد متى انقطع المثل؟
ولأن تحديد تقدير القيمة بمدة علاوة على أنه لا ينضبط ، فيه ضياع لحق المودِع بسبب عدوان المودَع، ولكن إذا قدرناها بأعلى القيم فهنا يكون فيه زجر وردع للمودَع وغيره ممن يريدون التفريط والتعدي في أماناتهم ، ثم فيه ضمان لحق المودِع.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال