الاتفاقيات الدولية لتخطيط حدود مصر الدولية حتى عام 1925م.. إصرار بريطانيا على أن يبدأ خط تحديد الحدود من جبل السلوم بما يضمن دخول واحتي سيوه وجغبوب في الأراضي المصرية

 ارتبطت البدايات الأولى لتحديد خط الحدود بين مصر وليبيا منذ صدور فرمان 13 فبراير 1841م الخاص بمنح محمد على حكم مصر في إطار حدودها القديمة.
كما ترتب على الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882 م أن سعت كل من تركيا وإيطاليا التفاوض مع بريطانيا بغرض تحديد الحدود بين مصر وليبيا بما يحقق مصالح الدولتين بشأن وجودهما أو نفوذهما في ليبيا.. أي على نحو يقتضى دفع الحدود الغربية لمصر مشرقاً لحساب ليبيا.
وبموجب ذلك جرت مفاوضات بين تركيا وبريطانيا عامى 1904 ،1907 م بهذا الخصوص لم تنتهي إلى اتفاق على تعيين الحدود نظرا لتعارض وجهات النظر بين الطرفين بشأن نقطة البداية لتخطيط الحدود.
وقد رأت تركيا أن يبدأ خط تحديد الحدود من منطقة رأس علم بينما أصرت بريطانيا أن يبدأ من جبل السلوم بما يضمن دخول واحتي سيوه وجغبوب في الأراضي المصرية.
ولهذا الأمر طلبت بريطانيا من تركيا عام 1905 م بسحب المخافر الأمامية التي كانت قد أقامتها شرق السلوم 1907 م.
 وفى 18 يوليو 1907 م علقت إيطاليا على أهمية موافقة بريطانيا بشأن تحديد الحدود بين مصر وليبيا وهو ما رفضته بريطانيا حيث أوضحت أن بريطانيا تواجه مشاكل وصعوبات لا تقل عما واجهته عام 1906 م على حدود مصر الشرقية رغم أن بريطانيا كان لها ميل في محاولتها تحقيق المطالب والأماني الإيطالية ، لكنها تتوخى الحذر من أي تصرف تجاه الدولة العثمانية وهو ما وضحته الرسالة الشفوية التي أبلغها وزير الخارجية البريطاني في 25 أغسطس 1907 م إلى وزير خارجية إيطاليا  بهذا الشأن.
وفى 27 أغسطس 1907 م عادت إيطاليا تلح من جديد على بريطانيا ،وتعلق أهمية على واحة جغبوب لذا دفعت بالقوات الايطالية محاصرة المنطقة الساحلية الممتدة فيما بين خطى عرض 54 ،27 شرقاً وفى 27 ديسمبر 1907 م وأرسلت وزارة الخارجية الإيطالية مذكرة إلى وزارة الخارجية البريطانية تعترض فيها على المذكرة البريطانية التي أرسلتها إلى الباب العالي بخصوص خط الحدود التي ذكرتها والذي يقضى" بأن يبدأ خط الحدود من رأس المالحة بما يعنى دخول السلوم وبوديا شمالاً وجغبوب وبئر أبو سلامة في الجنوب ضمن الأراضي المصرية إلى أن يبدأ من نقطة "بيكون بوانيت"على ساحل البحر المتوسط أي تخرج برديان من نقاط الحدود المصرية مع بقاء جغبوب ضمن الأراضي المصرية".
كما أصدرت الحكومة البريطانية تصريحاً بأن الكفرة ضمن الأراضي التركية، وان الحكومة المصرية لم يسبق لها الإدعاء بملكيتها.
وفى تطور آخر أثار احتلال إيطاليا ليبيا 1911 م الحكومة البريطانية خشية أن تستولي إيطاليا على بعض الأراضي المصرية بحكم الأمر الواقع ،وكان عليها أن تتصدى لهذا الاتجاه ،فقد وصل إلى علم الحكومة البريطانية أن أحد العسكريين الإيطاليين شوهد في السلوم في 10 أكتوبر 1911 م يحاول الحصول على معلومات ولذا قدمت الحكومة البريطانية احتجاجاً إلى الحكومة الإيطالية مفاده أن حدود مصر الغربية لم ولن تخضع إلى تعديل.
كما نشرت الصحف الإيطالية في أكتوبر 1911 م خبراً مفاده أن القوات الإيطالية قامت باحتلال السلوم ،لذا قامت قوة من حرس السواحل المصرية مكونة من 40 مقاتلاً من الهجانة بقيادة ضابط بريطاني لإنشاء معسكر في واحة سيوه ،كما أرسلت القائد هنتر باشا (Hunter bacha) للتفتيش على حدود مصر الغربية ،حيث أقام نقطة مراقبة على هضبة السلوم ،وأنشأ معسكراً على بعد 2ميل غربي نقطة المراقبة.
ومن جانب آخر قامت بريطانيا بإصدار خرائط عام 1914 م  والتي يظهر عليها حوض الكفرة داخل الحدود المصرية.
وبذلك باتت المفاوضات المعنية بتحديد الحدود المصرية الليبية تحكمها مجموعة عوامل منها:
- أن بريطانيا فرضت على مصر الحماية البريطانية في نوفمبر 1914 م وكانت تحرص على اعتراف الدول الكبرى بهذه الحماية.
- أن القوة الايطالية أخذت تتزايد وظهرت أطماعها التوسعية في آسيا الصغرى وأفريقيا وبصفة خاصة في الحبشة والصومال .
وأمام تلك التطورات للأحداث المتلاحقة في تلك الفترة واشتعال لهيب الحرب العالمية الأولى في 28 يونيو 1914 م ،ووقوف إيطاليا موقف الحياد في بداية الأمر الذي سيترتب عليه تغيير في إستراتيجية الحرب ونتائجها ،فقد دفع ذلك الحلفاء بإقناع إيطاليا بالانحياز لهم بتوقيعهم على معاهدة سرية في لندن بتاريخ 26 أبريل 1915 م وعدت فيها بنصيب في أملاك الدولة العثمانية وخاصة في ليبيا ،وبناءً على تلك الوعود أعلنت إيطاليا دخولها الحرب إلى جانب الحلفاء ومن جانب آخر رأت بريطانيا أن تتفاوض مع إيطاليا وتعمل على اتخاذ موقف يراعى مصالح إيطاليا في ليبيا واقترحت مشروع لتحديد الحدود المصرية الليبية بمقتضاه تخرج واحة جغبوب وبئر أبو سلامة من أراضى مصر شريطة أن يدخل ضمن الأراضي المصرية مساحة من الأرض تقع إلى الشمال الغربي من السلوم.
وبانتهاء الحرب لم تحصل إيطاليا خلال التسويات النهائية في مؤتمر السلام بباريس 1919 م على كل ما وعدت به ،كما لم تستطع تسوية موضوع حدود طرابلس الغرب مع مصر في المؤتمر ونظراً لتخوف بريطانيا من التوسع الإيطالي في الحبشة والصومال اللتين تشكل السيطرة البريطانية عليهما عاملا هاما وأساسياً في الحفاظ على المصالح البريطانية في شرق أفريقيا إلى الهند مروراً بالسودان ومصر والسعودية والخليج العربي ،رأت بريطانيا أن تتفاوض مع إيطاليا بحيث تتنازل لها عن جغبوب ذات الأهمية الحيوية والإستراتيجية لإيطاليا وتمخض الأمر بعد مفاوضات طويلة عن مشروع اقتراح قدمته إيطاليا في عام 1920 واعتبرته إيطاليا بمثابة شبه تسوية نهائية بمقتضاه يبدأ خط الحدود من مصر وليبيا من نقطة تقع إلى الشمال الغربي من السلوم تعرف بنقطة "بيكو بوانيت" وتدخل جغبوب ضمن الأراضي الليبية.
واعتبرته اقتراحاً بديلاً للمقترحات البريطانية قبلته بريطانيا بعد إدخال بعض التعديلات عليه عرف باتفاق ملنر شالويا ( Milner-Scialoya) وأصرت إيطاليا عليه على أنه خط حدود نهائي بين طرابلس الغرب ومصر وحق من حقوقها القانونية وهو ما عبر عنه وزير الخارجية البريطانية آنذاك تشمبرلين (Chamberlain) إلى مجلس الوزراء البريطاني بخصوص محادثاته مع موسولينى أثناء اجتماعات عصبة الأمم في 7 ديسمبر 1924 م لقوله " أن موسولينى أكد له إذا فشلت إيطاليا في الحصول على موافقة الحكومة المصرية على اتفاقية ملنر شالويا فإنها ستحتل جغبوب بالقوة".
وظلت عملية المفاوضات جارية بين كافة الأطراف بين رفض وقبول انتهت بتوقيع الاتفاقية في 6 ديسمبر 1925م والتي تنص على أن يبدأ خط الحدود من نقطة على شاطئ البحر المتوسط إلى الشمال الغربي من السلوم على بعد عشرة كم من بيكو بوانيت ثم يتجه جنوباً ماراً بسيدي عمر وبير الشقة وواحة حلفا بحيث لا يمر بعد تقاطعه بمسرب جالو بأية نقطة تقل عن عشرة كيلو متر من مضيق المناسيب ووليمسى وكذلك تحديد جنسية السكان في منطقتي السلوم وواحة الجغبوب.
وتم إعداد تقرير لأعمال اللجنة المكلفة بهذا الأمر حيث تم عرضه على البرلمان المصرى والتصديق عليه في يونيو 1932 م.
ويتضح مما سبق  أنه بالرغم من أن ترسيم الحدود بين مصر وليبيا كان من أهم الصراعات بين القوى الاستعمارية في المنطقة إلا أنه اعتمد على الجانب البشرى من حيث السكان القاطنين تلك الجهات وجنسية كل منهم وهو ما دفع تلك القوى إلى إثارة القلاقل فيما بين تلك القبائل من أجل إيجاد فرصة للتدخل في رسم تلك الحدود وهو ما تم إلقاء الضوء عليه من خلال توزيع القبائل للمنطقة قيد الدراسة ، كما كان للعامل الاقتصادي والمتمثل في وجود ثروات طبيعية تمتد عبر الحدود المشتركة بين الدولتين سبباً في تحديد الحدود الدولية على نحو يضمن الاستغلال العادل والمتكافئ لهذه الثروات وهو ما كانت القبائل تتنازع عليه بصفة مستمرة مما كان ذاته سبباً لقيام العديد من منازعات الحدود الدولية.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال