سياسة المخزن تجاه قبيلة أيت أوسا.. المساهمة في تمكين المخزن من إدارة دواليب الحكم وخلق جو ملائم لسير طبيعي للحركة التجارية ولدوام الاستقرار السياسي



كان المغرب مقسما الى جزئين بلاد المخزن التي يبسط في إطارها السلطان سلطته كاملة بواسطة قواده، ولم تكن تشمل في نظر البعض الثلث من مساحة المغرب، ثم بلاد  السيبة التي تتحدد في المجال الذي تدير فوقه القبائل والتي تمكنت من الانفلات من قبضة  المخزن أو السلطة المركزية، وتتبع بنوع من  التسيير الذاتي "وطاعتها مشروطة بقدرة المخزن على ممارسة  الضغط عليها وتننطبق هذه المواصفات على المناطق الجبلية التي تشرف على سهل سوس، كما تنطبق علىى الاراضي الواطئة، والمناطق المرتفعة المنحصرة بين وادي ماسة ووادي نول .
عن الطاعة في تصور المخزن تتحدد في أداء القبائل لما لها من واجبات تجاه المخزن بماضي ذلك المساهمة في ضمان دخل قار للمخزن وعدم  خلق مشاكل من شانها أن تشغله او تكبده مشاق انتقال جزئي أو كلي الى عين المكان، "فأداء الزكاة والأعشار يعني المساهمة في تمكين المخزن من إدارة دواليب الحكم، كما أن التزام الحفاظ على السلم  يعد  تعبيرا عن المساهمة في خلق جو ملائم لسير طبيعي للحركة التجارية ولدوام  الاستقرار السياسي".
في إطار  دراسة هذه  العلاقة التي تربط المخزن بالقبائل والتي تتأرجح بين التبعية الاسمية احيانا  والخروج عن طاعته احيانا اخرى، فأين يمكن ان تتموضع قبيلة أيت اوسا ضمن هذه المنظومة؟  والى أي حد استطاعت  السلطة المركزية إخضاع هذه القبيلة؟
كما هو معلوم  فقبائل تكنة حيثة العهد بالمخزن بحكم موقعها الجغرافي البعيد عن مركز السلطة إذ ان السلطة الفعلية لم تتركز بالمنطقة الا منذ عهد قريب.
اما الوجود المعنوي للمخزن فالاعتراف به لم ينقطع حتى في الفترات التي كان المخزن فيها متفككا وضعيفا،ويتجسد هدا الاعتراف لدى القبائل في الولاء للسلاطين ونصرتهم في خطب الجمعة والاعياد على لسان  فقهائهم، "يدعون السلاطين على  المنابر  وينصرونهم في المواسم والاندية ويعتقدون  ان مخالفتهم شقاق" .
لقد كان السلطان يحكم جميع القبائل والمدن وكانت سلطته مطلقة، وباعتباره سليل البيت النبوي الشريف، فكل السلط كانت بين يديه،"فباسمه تلقى خطبة الجمعة والأعياد وكان  بمثابة حامي الملة والدين، عليه أن يحرص على احترام تعاليم الشريعة الإسلامية، والمشرع الذي يبلور إرادته عبر  ظهائر، يمكن أن تكون نصوصا تشريعية  أو مراسيم أو نصوص تنظيمية، لكن مع الحرص على ألا يمس في ذلك تعاليم القرآن الأساسية".
ان ما يميز النظام السياسي في المغرب  السلطة  الشخصية للسلطان ، فإلى جانب  "الشرف" كان السلطان  معروفا بما يمتلكه من "بركة"،  يحقق من خلال  هذه الاخيرة  "الشريف" المعجزات، ويمكن ان نذهب مع كثير من الباحثين "على كون  هذين  العنصرين (الشرف والبركة) هما احدى ركائز الرأسمال الرمزي الذي كان بحوزة السلطان".
نتيجة لنذرة الوثائق المحلية والكتابات التاريخية، تبقى هناك صعوبة معرفة العلاقة التي تربط قبيلة أيت اوسا بالسلطة المركزية، نظرا للبعد الجغرافي لمنطقة أسا عن "بلاد المخزن" الشيء الذي جعلها تشكل مركزا لحماية المتمردين من المخزن، ولعل أبرزهم "أبو  حسون السملالي" المعروف "ببودميعة"  "حفيد  الشيخ سيدي احماد اوموسى" دفين تازروالت الذي كان لجوؤه بعد تدمير إمارته من طرف العلويين سنة 1670 ميلادي، نظرا لسوء علاقته بالسلطة المخزنية، "حيث عاش بين ايت أوسا إلى سنة 1695، تاريخ عودته إلى "إيليغ" مقر زاويته، وخلال مقامه باسا، كان يعيش على نفقات زاوية أسا، وهذا يعني نوعا من الاستقلالية عن المخزن التي كرستها هامشية المنطقة" .
هذا الاستقلال السياسي لا يمكن ان يتم الا بوجود استقلال اداري يتمثل في مجلس "أيت الربعين" السلطة العليا للقبيلة، وما يعمق هذا الاستقلال اعطاء  قبيلة أيت اوسا  لقوادها مكانة مهمة، حيث كانوا يتوفرون على كامل  الصلاحيات في فرض بعض الضرائب، كضريبة  "المرور" وكذلك ضريبة " الاقامة"  بهذا المجال .
امام هذه الوضعية التي عرفتها منطقة أيت اوسا خاصة، وتكنة عامة، قامت  السلطة المركزية بعدة "حركات" خصوصا في عهد السلطان "الحسن الاول"، الذي  جمع كلمة القبائل  وجعل من مدينة  تزنيت عاصمة السوس الأقصى  على أساس أن يحمكها ضابط كبير في الجيش، ترجع اليه القبائل في كل شؤونها، وكذلك عن طريق تعيين القواد والأعيان على رأس كل قبيلة، وفي هذا الصدد جاء تعيين القائد "احمد شياهو" من فرع أيت وعبان على قبيلة أيت اوسا .
وبعد هذا القائد تم تعيين ابنه "عليات ولد احمد شياهو"، إلا انه هناك غموض بالنسبة لسلطة هذين القائدين خصوصا وان جل عناصر القبيلة تعرف حياة الترحال، إضافة إلى كون المراحل اللاحقة ستسجل غياب بعض المعطيات التي تؤكد  ذلك الحضور المخزني بالمنطقة، خصوصا وان هذا الأخير عرف مجموعة من الاضطرابات ساهمت في تدهور علاقاته مع القبائل، "خاصة بعد  وفاة الوزير "احمد بن موسى" واستمرت على هذه الوثيرة في التدهور إلى عهد الحماية" .
بعد وفاة الشيخ ماء العينين سنة 1910، بايعت القبائل الصحراوية ابنه "احمد الهيبة" ليقوم بالجهاد ضد المحتلين، وكان من ضمن هذه القبائل قبيلة أيت اوسا، حيث نصب نفسه حاكما على كل اقليم سوس وأجزاء من وادي درعة ووادي نون، وما يؤكد صحة هذا الكلام البيت الشعري التالي:
حنا هاذوكـ في زمان السيبة       ما راينا حاكم يجيبنـا
وكت جـانا سيـدي احمـد           الهيبة طلع البدر علينا
خضعت القبيلة هي الأخرى للضرائب التي خضعت لها القبائل الأخرى، خصوصا بعد الكوارث التي عاشها المغرب بسبب الأزمة المالية وتكالب الديون عليه، وقد عثرنا في هذا الصدد على رسالة سلطانية مؤرخة  بتاريخ 12 رجب 1341 هـ /1921م، جاء فيها "الحمد لله وحده خدامنا المرضين جماعة آسا كافة راعكم الله وسلم عليكم  ورحمة الله وبركاته، وبعد فقد وجبنا إليكم حملة أمناءنا المرضيين في شان أعشار زروعكم المباركة..." .
ويبقى التواجد المخزني باسا معنويا . أكثر منه ممارسة فعلية نتيجة لعدة ظروف تتعلق بالقبيلة أو المخزن، على ان هذا التواجد الجزئي والمعنوي جعل القبيلة والقبائل الأخرى تعيش في نوع من الحرية، حيث تحن أكثر من مرة إلى رحمة اعرافها بعيدة عن الهيمنة المخزنية.
بصورة عامة بمكن ملاحظة ان سياسة المخزن تجاه القبائل كانت ترمي بصفة خاصة إلى  إيقاف كل حركة قبلية من شأنها أن تمنح لقبيلة ما او مجموعة من القبائل تطورا سياسيا وعسكريا، يبتدئ من الداخل ليتسرب  إلى الخارج، مخلا بأسس القوة   وتفرقة القبائل، والتحكم في الطرق والمحاور الأساسية مع استعماله لمجموعة من الوسائل المتراوحة ما بين المرونة والتراضي، وتتلخص هذه السياسة في موقف المخزن تجاه القبائل القوية بعددها والمنيعة ببعدها، إذ يتحاشى  كل مواجهة معها، ويلاحظ عموما أن البعد أو القرب عن النظام له تأثير على السلطة، فالقبائل  التي قليلا ما يصل إليها نفوذ المخزن تحتفظ بنظام جماعي بخلاف القريبة من السلطة، فالنظام السياسي للقبائل البعيدة جغرافيا عن المخزن لا يظهرون ارتباطهم به إلا إذا صار "الذين" في خطر على إثر غزو أجنبي، وحين ذاك يكونون ملزمين بالتطوع وإمداد السلطان بإعانة عسكرية، وهي خدمة لا تتواني أية قبيلة في أدائها مهما كانت ظروفها وعلاقاتها بالمخزن.


مواضيع قد تفيدك: