إنّ العرب وبسبب العصبية المتأصّلة فيهم، كانوا يهتمّون بزعماء القبائل في مجتمعاتهم وباُصولهِم اهتماماً خاصّاً وينقلون ذلك لأبنائهم في إطار الشعر والرجز والروايات الشفاهية، وبهذا نشأ النسب مع نشأة القبيلة، وقد استمرّ ذلك جيلاً بعد جيل. وكان من بين عرب الجنوب والنزارية قريش المعروفة بالنسّابين، ومنهم: أبوبكر([1]) وثلاثة أشخاص يعتبرون من النسّابة، وهم: عقيل بن أبي طالب، وجُبَيْر بن مُطْعِم، ومخرمة بن نَوْفل، وهم الذين أمّرهم عمر على تدوين الديوان([2]). ومن النسّابين الآخرين: سعيد بن نمران الهمداني، ومشعلة بن نُعيم، وهم الذين أمرهم سعد بن أبي وقّاص بتقسيم قبائل الكوفة إلى سبعة أقسام([3]). ولهذا فقد اتّجه المسلمون إلى النسب حسب عادتهم القديمة وأكّدوا على أهمية ذلك مستندين في ذلك إلى بعض الآيات والروايات، ويعلمون أنّ معرفة علم الأنساب له منزلة عالية([4]). وقد توسّع علم النسب ونظراً لبناء ديوان العطايا وانتشار الفتوحات وتأسيس المدن واستقرار القبائل العربية الجنوبية والنزارية فيها، فظهر نسّابون فطاحل، منهم: دَغْفَل بن حنظلة السدوسي، وعُبَيْد بن شريَّة الجُرهُمي، وزيد بن كَيّس النمَري، وورقاء بن أشعر، وعبدالله بن عمرو اليَشكري، وعبدالله بن عروض اليشكري، وعوانة بن الحَكَم، ومحمد بن سائب الكلبي، وهشام بن محمدالكلبي([5]).
والجدير بالذكر أنّ علم الأنساب مصدر مهم لمعرفة القبائل العربية، ولأجل أن نوصل تلك الروايات الشفاهية والشعر ووجود تفاخر القبيلة في ذلك الطريق، ينبغي عدم الاعتماد عليها والاحتياط عند الشك في ذلك، وإذا تواترت روايات نسّابي القبائل المختلفة بخصوص نسب القبيلة الواحدة ووجود اسم بعض القبائل العربية الجنوبية والشمالية في مخطوطات عرب الجنوب الحجرية فإنّ ذلك يزيل الشك.
[1]. السيرة النبوية لابن هشام: 1/250.
[2]. الطبقات الكبرى: 3/295.
[3]. تاريخ الرسل والملوك، لمحمد بن جرير الطبري: 3/152.
[4]. جمهرة الأنساب لابن حزم: 2.
[5]. المعارف لابن قتيبة: 534، تحقيق ثروت عكاشة. الفهرست لابن النديم: 151.