يمكن القول أن أوّل نظام للتأمين الإجتماعي بمفهومه المعاصر عُرف في ألمانيا حيث طُبَّقَ نظام التأمين ضد المرض في العام 1883 والتأمين ضد إصابات العمل في العام 1884 وتأمين الشيخوخة في العام 1889، وحينها، وبسبب التطبيق الإلزامي الذي شمل جميع عمّال الصناعة، تمكّنت الحكومة من إمتصاص وإستيعاب مطالب التنظيمات النقابية والمعارضة وذلك من خلال تطبيق أنظمة التأمين الإجتماعي على شرائح واسعة من المجتمع.
وفي سياق العرض التاريخي لابد من التذكير بإعلان فيلادلفيا عام 1944 الذي أكّد على ضرورة تحرير العامل من الخوف والعوَزْ، ثم تلاه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10/ 12/ 1948 ليؤكِّد في المادة 22 منه " لكل شخص، بوصفه عضواً في المجتمع، حق في الضمان الإجتماعي، وهنا لا بد من الإشارة إلى الإتفاقية رقم 102 الصادرة عن المؤتمر العام لمنظّمة العمل الدوليّة في العام 1952 والتي اقترحت على الدول المبرمة لها نمطاً من الضمان الإجتماعي يشكّل الحد الأدنى من الضمانات التالية: "الرعاية الصحية، تعويضات المرض، البطالة، الشيخوخة، طوارئ العمل، التقديمات العائلية، الأمومة، العجز والوفاة"، على أن تتعهّد كل دولة عضو بتنفيذ ثلاثة فروع على الأقل من الفروع المذكورة.
ومع بداية السبعينات إزداد الضمان الإجتماعي إتّساعاً وشمولاً في الدول الصناعية بإتجاه ما يُسمَّى توسيع أطر الحماية الإجتماعية لتقديم الدعم على أساس الحاجة أكثر من الإعتماد على مبدأ الحقوق المكتسبة، إلاّ أن تباطؤ النمو الإقتصادي لاحقاً أدّى إلى محاولات لضبط نمو النفقات التأمينية الإجتماعية في الدول المتقدِّمة صناعياً.
أما في الدول النامية ، ولاسيَّما العربية منها، فقد تعثّرت برامج التأمين الإجتماعي في السبعينات والثمانينات بسبب مشاكل الركود الإقتصادي: البطالة وضعف مصادر التمويل، إضافة إلى ضعف الأداء الإداري والتقني لأنظمة الضمان الإجتماعي وإنعكس ذلك سلباً بزيادة الأعباء المالية غير المدروسة.
إلاً أن الأمر إختلف في التسعينات حيث شهدت أنظمة التأمينات والضمانات الإجتماعية العربية تطوُّراً ملحوظاً إن على صعيد برامج التأمين أو على صعيد الأداء أو التمويل حيث نجد في بعض هذه البلدان توسُّعاً في أنواع التقديمات وزيادةً في مصادر التمويل وأداءاً جيداً على صعيد إستثمار الأموال لا سيَّما في المملكة العربية السعودية والكويت والأردن.
ونشير إلى أن الحكومات العربية أدرجت التأمينات الإجتماعية في سُلَّم أولويّاتها نظراً لما لها من دور إيجابي على الصعيدين الإقتصادي والإجتماعي.
وأكبر دليل على ذلك هو إقرار مجلس وزراء العدل العرب في دورته الحادية والعشرين بتاريخ 29/ 11/ 2005 الوثيقة العربية الإسترشادية للضمان الإجتماعي التي ورد في مادّتها الأولى:
" الضمان الإجتماعي حق يكفله المجتمع وترعاه الدولة ويحميه القانون، يُقصَد منه حماية المواطنين في حالات الشيخوخة والعجز والمرض وإصابات العمل ومرض المهنة، وعند فقدان المعيل والبطالة وإنقطاع سبل العيش وعند الحمل والولادة والإعانة على تحمُّل الأعباء العائلية، وفي حالات الكوارث والطوارئ والوفاة.
ويمكن لأنظمة الضمان أن توفّر الرعاية الإجتماعية لمن لا راعي له طفلاً كان أو عاجزاً أو مسناً."