قبائل "إدا" في المغرب: عراقة الجذور وإشعاع سوس الأمازيغي
تُمثل القبائل التي تحمل اسم "إدا" (Ida) أو "آيت إد" (Ayt Id) جزءاً أصيلاً ومحورياً من النسيج الاجتماعي والجغرافي لمنطقة سوس الكبير والأطلس الصغير في المملكة المغربية. هذه التسمية ليست لقبيلة واحدة بل هي مقدمة لعدة اتحادات قبلية أمازيغية معروفة بعلمائها، وجبالها الوعرة، ودورها التاريخي.
أبرز اتحادات قبائل "إدا" في سوس: الموقع والخصائص
تتوزع اتحادات قبائل "إدا" (أو آيت إد) عبر مناطق جغرافية متباينة في المغرب، خاصة في جهة سوس ماسة والأطلس الصغير والأقاليم الجنوبية. وتتميز كل قبيلة بموقعها المحدد وخصائصها التاريخية أو الاقتصادية.
1. قبيلة إداوسملال: عاصمة سوس العلمية
- الموقع الجغرافي البارز: تقع في إقليم تيزنيت ضمن نطاق الأطلس الصغير.
- الميزة والصلة: تُعد عاصمة سوس العلمية بامتياز. ترتبط شهرتها بـالزاوية السملالية والشيخ سيدي أحمد بن موسى السملالي، وهي مركز تاريخي للإشعاع الديني وتحفيظ القرآن ونشر الفقه.
2. قبيلة إداومحمود: عرين الأطلس الكبير
- الموقع الجغرافي البارز: تنتشر في إقليم تارودانت ضمن جبال الأطلس الكبير الغربي.
- الميزة والصلة: هي منطقة جبلية وعرة ذات ارتفاعات عالية، وتشتهر اقتصاديًا بـإنتاج الجوز، مما يعكس طبيعتها الفلاحية الجبلية.
3. قبيلة إداوكثير: في قلب شتوكة الجبلية
- الموقع الجغرافي البارز: تتواجد في إقليم شتوكة آيت باها، وتندرج ضمن ما يُعرف بـشتوكة الجبلية.
- الميزة والصلة: تُشكل جزءاً من اتحادية قبائل شتوكة الكبرى، ولها عمق تاريخي وجبلي في المنطقة.
4. قبيلة إداوزيكي: نقطة وصل تجارية
- الموقع الجغرافي البارز: تقع في إقليم تارودانت.
- الميزة والصلة: تتميز بموقعها على الطريق التاريخي الذي يربط بين منطقة سوس ومراكش، وتشتهر بـإنتاج الملح، مما منحها أهمية تجارية عبر التاريخ.
5. قبيلة آيت أوسا (إيتوسى): ركيزة الجنوب الصحراوي
- الموقع الجغرافي البارز: تتواجد في إقليم أسا الزاك، وتشكل جزءاً من الأقاليم الجنوبية للمملكة.
- الميزة والصلة: تُعد قبيلة صحراوية بارزة ولها وزنها، وتمتلك إشعاعًا دينيًا وثقافيًا قوياً، وتُعرف بزاوية أسا ومواسمها السنوية.
إداوسملال: عاصمة سوس العلمية (نموذج الإشعاع الديني)
تُعد قبيلة إداوسملال مثالاً ساطعاً على الدور المحوري لبعض قبائل "إدا" في التاريخ المغربي:
- الزاوية السملالية: اشتهرت هذه القبيلة بكونها "عاصمة سوس العلمية"، حيث احتضنت الزاوية السملالية التي أسسها الشيخ سيدي أحمد بن موسى السملالي في القرن السادس عشر.
- مركز للعلم: كانت الزاوية مركزاً للعلم والتعليم وتحفيظ القرآن ونشر الفقه المالكي، وأسست شبكة من المدارس الدينية والربط في المنطقة، ولعبت دوراً كبيراً في الحركة الثقافية والجهادية في سوس.
- المخطوطات: تُعرف القبيلة بحفظها للعديد من المخطوطات النادرة والمؤلفات القيمة التي شكلت الخزانة السملالية، مما يدل على اهتمامها العميق بالتراث العلمي.
الجذور والأصول القبلية:
تنتمي غالبية هذه القبائل إلى الجذع الأمازيغي الكبير صنهاجة، أو صنهاجة الصحراء، وهي من أقدم القبائل الأمازيغية في المغرب. وتتميز أصولها بالتنوع، فبعضها ينتسب إلى:
- الأصول الأمازيغية الصنهاجية: وهي الغالبة، خاصة في المناطق الجبلية (مثل إداوسملال وإداومحمود).
- أصول شريفة أو عربية: بعض فصائل قبيلة آيت أوسا في الجنوب، على سبيل المثال، لها أصول بكرية صديقية (نسبة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه) أو غيرها من الأصول العربية التي اندمجت عبر التاريخ مع القبائل الأمازيغية.
الدور التاريخي والاجتماعي:
لعبت قبائل "إدا" أدواراً متعددة في تاريخ المغرب:
- المقاومة والجهاد: شاركت هذه القبائل بفاعلية في حركات المقاومة ضد الاستعمار، خاصة في بدايات القرن العشرين، حيث كانت المناطق الجبلية الوعرة معاقل يصعب اختراقها.
- النظام الاجتماعي (اللف): كما هو الحال في الكثير من مناطق سوس، كانت هذه القبائل تتجمع ضمن تكتلات أو أحلاف قوية تُعرف بـ "اللف"، وهو نظام يسمح بتنظيم الدفاع عن الأراضي وتحديد مجالات الرعي والمياه.
- الاقتصاد التقليدي: اشتهرت قبائل الجبال منها، مثل إداومحمود وإداوزيكي، بتخصصها في إنتاج بعض المواد الأساسية التي كانت تشكل جزءاً من النشاط التجاري للمنطقة، مثل الجوز والملح والحناء.
الخصائص المشتركة:
على الرغم من التباعد الجغرافي لبعض فصائل "إدا"، إلا أنها تتشارك في خصائص عدة:
- اللغة: جميعها تتحدث اللغة الأمازيغية (تشلحيت) كلغة أم.
- التنظيم: تتميز بوجود نظام تقليدي محكم (أكادير أو المخزن الجماعي)، ووجود الأعراف والتقاليد المتوارثة.
- الزوايا والأولياء: غالباً ما ترتبط كل قبيلة بولي صالح أو زاوية دينية ذات إشعاع، مثل زاوية سيدي أحمد بن موسى السملالي.