التركيبة العرقية لسكان بيروت:
تُعد بيروت ظاهرة فريدة حيث لا يوجد فيها فصل حاد بين العرق والدين، بل إن الهوية الطائفية غالبًا ما تكون هي المحدد الأبرز للتجمع والانتشار الجغرافي.
1. المكون العربي اللبناني:
يمثل المكون العربي اللبناني الأساس التاريخي والجغرافي للمدينة، وينقسم إلى فروع طائفية رئيسية:
أ. العرب السُنّة: البُعد التاريخي والتجاري
- العمق التاريخي: يُعدّون من السكان الأصليين لمدينة بيروت الساحلية والتجارية منذ قرون، لا سيما في العهد العثماني وما قبله.
- الانتشار الجغرافي: يتركزون تاريخيًا في غرب بيروت (مثل منطقة طريق الجديدة، والمزرعة، ورأس بيروت)، ويشكلون ركيزة للحياة التجارية والسياسية التقليدية في المدينة.
- الدور: لعبوا دورًا محوريًا في تأسيس دولة لبنان الحديثة بعد الانتداب، وهم جزء أساسي من الطبقة السياسية والاقتصادية.
ب. العرب الشيعة: الامتداد السكاني والجغرافي
- التمركز والنمو: بالرغم من أن وجودهم التاريخي كان أقل كثافة في قلب بيروت، إلا أنهم شهدوا هجرة واسعة النطاق من جنوب لبنان وبعض مناطق البقاع إلى العاصمة وضواحيها بحثًا عن العمل والتعليم.
- الانتشار الجغرافي: يتمركزون بشكل رئيسي في ضاحية بيروت الجنوبية (الضاحية)، والتي تُعتبر امتدادًا عمرانيًا ضخمًا للعاصمة وتشمل مناطق مثل حارة حريك والبرج البراجنة.
- التأثير: يمثلون ثقلاً ديمغرافيًا وسياسيًا وازنًا جدًا في المشهد البيروتي الحالي.
ج. العرب المسيحيون: التنوع الطائفي والارتباط ببيروت الكبرى
- التنوع الطائفي: يشملون طوائف متعددة، أبرزها الموارنة والروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك.
- الروم الأرثوذكس: لهم عمق تاريخي قديم في بيروت، وكانوا متواجدين في مناطق وسط وشرق بيروت القديمة (مثل الأشرفية والرميل).
- الموارنة: يتركزون في الضواحي الشرقية والمدن والقرى المحيطة في جبل لبنان، لكن لهم وجود في أحياء شرق بيروت مثل الأشرفية، ولهم دور سياسي واقتصادي بارز.
- السمة: يمثلون جسرًا ثقافيًا بين الشرق والغرب، وكانت مناطقهم تعتبر تاريخيًا مركزًا للحركة الثقافية والتعليمية.
2. الأقلية الأرمنية: الهوية المحافظة والثقافة الغنية
- الأصول: وصل أغلبهم إلى لبنان كلاجئين بعد الإبادة الأرمنية (1915)، لكنهم سرعان ما أصبحوا جزءًا لا يتجزأ من المجتمع اللبناني.
- التمركز الجغرافي: يتمركزون بشكل كبير في مناطق الضواحي الشمالية لبيروت مثل برج حمود، وهي منطقة تتميز بخصوصيتها الثقافية واللغوية والتجارية.
- الخصائص: حافظوا على هويتهم ولغتهم ومدارسهم بشكل قوي جدًا. هم منقسمون دينيًا إلى أرمن أرثوذكس (الأغلبية) وأرمن كاثوليك، ويشكلون كتلة سياسية واجتماعية منظمة.
3. المكونات العرقية الأخرى: الصهر التاريخي
- الآشوريون/السريان: هم من الشعوب القديمة التي سكنت بلاد ما بين النهرين، ولهم وجود دائم في بيروت، وهم مسيحيون ينتمون إلى طوائف كالسريان الأرثوذكس والسريان الكاثوليك، ويتركزون في بعض المناطق المسيحية.
- الأكراد: لهم وجود في بعض أحياء بيروت، وغالبًا ما يكونون من العرب السُنة أو المسلمين، لكن أصولهم العرقية كردية، ويعمل الكثير منهم في قطاعات الخدمات.
4. السكان غير المواطنين: العامل الديناميكي والديمغرافي
يمثل وجود السكان غير اللبنانيين عاملاً دائمًا ومؤثرًا في التركيبة السكانية، خاصةً في ضواحي المدينة:
- اللاجئون الفلسطينيون: يشكلون مجتمعات كبيرة ومنفصلة في مخيمات محيطة ببيروت (مثل شاتيلا، مار الياس، وبرج البراجنة). وجودهم يعود إلى عام 1948 وما تلاه، وهم يمثلون أغلبية عربية سُنية، مع وجود مسيحي صغير. هذا الوجود له تأثير كبير على التركيبة الاجتماعية والاقتصادية للضواحي.
- اللاجئون السوريون: أدى النزوح الكبير منذ 2011 إلى زيادة هائلة في عدد السكان في بيروت وضواحيها. وهم ينتشرون بشكل واسع ويعملون في مختلف القطاعات، ومعظمهم من العرب السُنة.
بيروت هي مدينة التداخل العرقي والديني، حيث تُدار الحياة العامة والخاصة فيها عبر شبكة من التوازنات الطائفية المتباينة، مما يجعل فهم التركيبة العرقية فيها مرهونًا بفهم التركيبة الدينية أولاً.