التركيبة العرقية لسكان بيروت.. هجرة الكثير من الأعاجم واستقرارهم في بيروت في العهد الفاطمي والزنكي والأيوبي والمملوكي والصليبي

تختلف تقديرات عدد سكان بيروت بشكل واسع، فهي تصل بحسب بعض الإحصائات إلى 938,940 نسمة، بينما تصل بالنسبة لإحصائات أخرى إلى 1,303,129 نسمة، وإلى 2,012,000 نسمة بالنسبة للبعض الآخر.
إن غياب العدد الصحيح لسكان بيروت يعود إلى أنه لم يتم أي تعداد رسمي للسكان في لبنان منذ سنة 1932.

التركيبة العرقيّة:
تُعد بيروت، كغيرها من مدن بلاد الشام الكبرى، مدينة ذات مزيج عرقي كبير، يظهر جليًا في أسماء وألقاب العائلات والأسر التي تقطنها حاليًا.

وسبب هذا المزيج هو الشعوب المختلفة التي مرّت على الشام ككل، واستقر البعض منها واختلط مع أبناء البلاد، لكن على الرغم من ذلك يبقى واضحًا طغيان عنصر معيّن على بقيّة العناصر، فغالبية البيارتة من مسلمين ومسيحيين، هم من أصول عربية سواء من توطن منهم فيها قبل الفتح الإسلامي، أو في ظل تلك الفتوح، كما شهدت بيروت موجات جديدة من الهجرات العربية سواء من المشرق العربي أو من المغرب العربي.

وقد شهد عهدا الخلافة العربية بما فيها العهد الفاطمي والزنكي والأيوبي والمملوكي والصليبي هجرة الكثير من الأعاجم واستقرارهم في بيروت، وكذلك كان الحال في عهد الخلافة العثمانية.
كما شهدت القرون السابقة والقرن العشرين العديد من النزوح من المناطق اللبنانية إلى بيروت خاصةً.

كانت بيروت قبيل الفتح الإسلامي مأهولة من قبل العرب والسريان والروم، وعندما فتح المسلمون الساحل الشامي شهدت المدينة قدوم العديد من العناصر العسكرية والمدنية التي تنتمي إلى قبائل عربية، وقد توطنت في بيروت، ومنها من حافظت على أسماء قبائلها، في حين أن البعض الآخر اتخذ أسماء جديدة هي عبارة عن ألقاب وصفات ومهن، ومن القبائل العربية التي استوطنت بيروت: بنو حزم وبنو مخزوم وبنو قيس وبنو زيدان، وسواهم، وتفرّعت منهم أسر عديدة.

من أبرز أصول البيارتة المعاصرين الأصول المغربية والأندلسية، وقد بدأ المغاربة والأندلسيين يتوافدون إلى بلاد الشام ومدنها خلال العهد الصليبي، فقد انتقل آلاف المغاربة من بلادهم إلى الشام للمشاركة في الجهاد ضد الصليبيين، ووقع الكثير منهم أسرى، وقد حرص التجار والأمراء والسلاطين المسلمين على فك أسرهم نظرًا لما قدّموه من تضحيات، ومنحوهم منحًا مالية ووطنوهم في المدن وأدخلوهم في حاشيتهم.

كما أن قسمًا كبيرًا منهم أتى بغرض طلب العلم. أما القسم الأعظم من المغاربة والأندلسيين، فقد وصل بيروت عقب سقوط الأندلس سنة 1492، وعقب الاحتلال الفرنسي لبلدان المغرب أواخر القرن التاسع عشر، وطرد الكثير من السكّان بهدف توطين فرنسيين بدلاً منهم.

كذلك يظهر جليًا الأصل المصري لبعض العائلات البيروتية، من خلال تلقبها باسم المدينة أو البلدة التي وصلوا منها، مثل: الإسكندراني والرشيدي، والجيزي، وأغلب البيارتة ذوي الأصول المصرية وصلوا المدينة خلال عهد الحكم المصري لبلاد الشام.
أما باقي الأسر البيروتية ذات الجذور العربية فأصولها عراقية وشاميّة مجاورة وحجازية ويمنية.

تعرضت بيروت ومختلف بلاد الشام لموجات هجرة مدنية وعسكرية في العهود الأيوبية والمملوكية والعثمانية، خاصة وأن هذه العهود صاحبتها مجيء عشرات الآلاف من العساكر المقاتلة، بالإضافة إلى أن حكّام وسلاطين هذه العهود كانوا يعمدون إلى إسكان الجيوش بكثرة في المناطق الخاضعة لهم للدفاع عنها وصبغها بلون واحد.

وبناءً على ذلك تعرضت بيروت خلال تلك العهود لهجرات وموجات سكانية تمازجت مع العائلات البيروتية القديمة وتصاهرت معها، ومن أبرز الأعاجم الذين سكنوا بيروت: الأتراك والإيرانيين والأكراد والشركس والألبان، واليونان، والأرمن.

ومن هذه العائلات من احتفظ باسمه الأصلي، وأغلبها اتخذ أسماءً وألقاب جديدة تدل على أصوله مثل: الأصفهاني، والأرناؤوط (من ألبانيا)، والبوشناق، وجركس، والمورللي، والكردي، والإزمرلي، وغيرها. كذلك شهدت بيروت بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى قدوم عساكر من مسلمي الهند قدموا مع الجيش البريطاني.

وقد استقر بعضهم في بيروت وحملوا اسم عائلة "الهندي". أيضًا هناك قلّة نادرة من البيارتة ترجع بأصولها إلى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهؤلاء يتحدرون من الرقيق الأسود، الذي كانت تجارته ناشطة إلى نهاية الدولة العثمانية، ومن الجنود السنغال الذين عملوا في الجيش الفرنسي طيلة فترة الانتداب.
وقد تمازج هؤلاء وتفاعلوا مع البيارتة منذ أوائل القرن العشرين، لذلك فقد ضاعوا تقريبًا في المزيج البيروتي.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال