عوامل تفاقم الأزمة المالية العالمية.. إعادة تقييم قيمة العقارات وربط سعر فائدة قرض الرهن العقاري بفائدة البنك الفيدرالي الأمريكي وطرح سندات للرهن العقاري



لعبت المصارف دوراً أساسياً لزيادة الأزمة تمثل في الأمور الآتية:

- الأول: قيام المصارف بإعادة تقييم قيمة العقارات بشكل دوري التي يستدين أصحابها برهنها, ولما كان سوق العقارات بارتفاع دائم في تلك الفترة، فإن هذا الأمر سمح لأصحاب العقارات بزيادة القروض المسحوبة بناءً على هذا التقييم. علما أن المصرف يعطي قرضاً قد تعادل قيمته نصف قيمة العقار.

فمثلاً إذا كانت قيمة منزل شخص  مليون دولار فيحق له أن يسحب قرضاً مقداره نصف مليون دولار، وبعد فترة يتم تقييم العقار من قبل المصرف، فيعطي قيمة غير حقيقية قد تبلغ مليوني دولار، وهذا يعني زيادة نسبة القرض المسحوب ليصل إلى مليون دولار.

وهكذا يقوم المصرف بزيادة القيمة السوقية غير الحقيقية للعقار من أجل أن يزيد من توظيف رأسماله.
وهنا بالغت الأسواق في تقييم قيمة العقارات حتى وصلت حداً بلغ فيه 20 ضعفاً ثمن المنزل الحقيقي.

ومعنى هذا أن العقار الذي قيمته الحقيقية مليون دولار قد أصبحت قيمته عشرين مليون دولار، ومن ثَمَّ زادت قيمة القرض المسحوب من البنك لتصل إلى عشرة ملايين دولار.

- الثاني: أن المصارف قد فرضت في البداية معدلات فائدة منخفضة على المقترضين بغية تشجيعهم على الاقتراض، لكن هنا مارست هذه المصارف عملية احتيال خفية، وبشكل لم ينتبه إليه أغلب المقترضين حينها، حيث ربطت سعر فائدة قرض الرهن العقاري بفائدة البنك الفيدرالي الأمريكي، وأضافت عليه سعر فائدتها هي، وبما أن معدلات فوائد البنك الفيدرالي الأمريكي كانت منخفضة في ذلك الوقت فلم ينعكس ذلك على ارتفاع فوائد هذه القروض، لكن المصارف كانت تقصد من هذا الربط الاحتيال على الجمهور، والحصول على فوائد أعلى عندما يرفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار فائدته، وهذا ما حدث فعلاً.

- الثالث: ما تضمنه أحد شروط القرض وهو أن دفعات السنوات الثلاث الأولى من القرض تذهب لسداد قيمة فوائد القرض فقط، وليس لسداد القرض ذاته، وهذا الأمر أدى إلى ترك معظم المقترضين دون تملك أي جزء من منزلهم بعد مرور ثلاث سنوات على بدء دفعهم لأقساط القرض.

- الرابع: قيام المصارف بإقراض أصحاب العقارات الذين يتميز سجلهم الائتماني، ومركزهم المالي بالسوء في سداد القروض بفوائد أكبر، بدافع الربح السريع، وتوسعت في هذا الإقراض حتى بلغت قيمة القروض المقدمة ذات المخاطر العالية والعوائد المرتفعة حوالي 3, 13 ترليون دولار، وهو مايشكل حوالي خمس إجمالي قروض الرهن العقاري , ومن هنا أتت تسميتهاsubprime mortgage.

- الخامس: والأمر الذي زاد من الأزمة أن عقد الإقراض برهن العقار ينص في أحد بنوده على أن ترتفع الفوائد إلى حدود قد تصل إلى ثلاثة أضعاف قيمة القرض عند التأخر عن السداد أو عدم السداد, مما زاد من حجم الديون المعطاة.

فعلى الرغم من استمرار المقرضين في السداد فإن الدين لا ينتهي، بل قد يدفع المدين عدة أمثال الدين الأصلي دون أن يتمكن من سداده، وهذا الأمر أدى  إلى إعسار المقترض بحيث لا يتمكن الكثير من سداد ديونهم.

وهذا يعني أن الشخص الذي يملك  العقار الذي قيمته الحقيقية مليون دولار، قد وصل قيمة القرض المسحوب عليه إلى ثلاثين مليون دولار، نتيجة التقييم غير الحقيقي، ومضاعفة قيمة القرض إلى ثلاثة أضعاف عند التأخر عن السداد أو عدم السداد.

- السادس: و لمّا بدأت مؤشرات انخفاض أسعار العقارات التي كانت أسعارها مرتفعة، وبقيمة بأكثر من قيمتها الحقيقية، فإن المصارف الأمريكية قامت بعملية احتيال لتخفف من ثقل الأزمة عليها، وتدويلها، وتحويلها إلى الدول الأخرى، فقامت بتحويلها إلى الدول الأخرى من خلال قيام هذه المصارف بطرح سندات للرهن العقاري، وبيعها، مقابل إعطاء مشتري هذه السندات فوائد عالية. فقامت حينئذٍ  الشركات والبنوك والأفراد وصناديق الاستثمار في مختلف أحاء العالم بشرائها باعتبار أنها مضمونة بعقارات ، ومؤمَّن عليها لدى شركات تأمين كبيرة، تحمل تصنيفاً ائتمانياً متقدماً بعضها AAA وAA.

- ثم قام مشترو هذه السندات باستثمارها؛ إما ببيعها مرة أخرى والحصول على فوائد أكبر، أو برهن سنداتهم ليحصلوا على قرض جديد من بنوك أخرى، وهكذا، إلى أن وصلت عدد مرات إعادة بيع هذه الديون إلى ثلاثين ضعفاً.
وهذا الأمر أدَى إلى زيادة تشعب الأزمة، وصعوبة معالجتها فيما بعد.

- قام مستثمرو هذه السندات بالتأمين عليها لدى شركات التأمين خوفا من مخاطر عدم تحصيل قيمتها، مما زاد من عدد المتورطين في هذه العملية، فأصبح للعقار الواحد جهات عدة تطالب به؛ صاحب العقار الذي يعتقد أنه ما زال يملكه، والمصرف الذي ارتهنه مقابل القرض الذي قدمه، ومشترو السندات الذين يعتقدون أنهم يملكون سندات  مدعومة برهن عقاري، وشركات التأمين التي تعتقد أن لها حقاً في هذا العقار.

- أدى ما سبق إلى نقص في سيولة المصارف بسبب عدم قدرة المقترضين على سداد قروضهم.

- ثم إفلاس المصارف وصناديق الاستثمار.

- ثم إفلاس شركات التأمين التي قامت بدفع مبالغ التأمين إلى المستأمنين(المصارف، صناديق الاستثمار، الشركات، الأفراد).

-  بعد ذلك بدأت مظاهر الأزمة بالتكشف رويدا رويدا، وكانت أولى هذه المظاهر في شباط من عام 2007 عندما أعلن عن  عدد من حالات الإفلاس في مؤسسات مالية متخصصة نتيجة زيادة عدم السداد لقروض الرهن العقاري.

- و المظهر الثاني كان في آب من عام 2007 عندما تدهورت الأسواق المالية العالمية أمام مخاطر اتساع الأزمة, وبدأت المصارف المركزية بالتدخل لدعم سوق السيولة.

- بعد ذلك انخفضت أسعار أسهم مصارف كبرى نتيجة أنباء عن شطبها لمبالغ ضخمة من ديون الرهن العقاري.

- في كانون الثاني من عام 2008 بدأ البنك الفيدرالي الأمريكي سلسلة تخفيضات لمعدلات الفائدة حتى وصلت إلى مستويات قريبة من الصفر في نهاية عام 2008.

- في أيلول من عام 2008 وضعت الخزانة الأمريكية المجموعتين العملاقتين في مجال تسليفات الرهن العقاري (فريدي ماك) و (فاني ماي) تحت الوصاية, وكفلت ديونهما حتى حدود 200 مليار دولار.

-  في 15 أيلول عام 2008 أفلس بنك ليمان براذرز وهو رابع أكبر بنك في الولايات المتحدة الأمريكية.

- في 16 أيلول أممت الحكومة الأمريكية أكبر مجموعة تأمين في العالم (AIG) المهددة بالإفلاس.

- السلطات الأمريكية تعلن عن خطة بمقدار 700 مليار دولار لمعالجة الأزمة المالية.

واستمرت الأسواق المالية في أنحاء العالم بالتراجعات الحادة، وأعلنت المزيد من المصارف والمؤسسات المالية عن إفلاسها، وبدت حدود الأزمة غير معلومة بعد أن بدأت بضرب قطاع الصناعة، وخاصة صناعة السيارات نتيجة أزمة نقص السيولة فتهددت أكبر شركة في العالم لتصنيع السيارات General Motors بالإفلاس.

بعد ذلك تحولت الأزمة إلى أزمة اقتصادية عالمية، ودخل الاقتصاد العالمي في كساد يوصف بأنه الأسوأ من نوعه منذ أزمة الكساد الكبير عام 1929.


مواضيع قد تفيدك: