الإشعاع الشمسي: محددات وصوله لسطح الكوكب، من الدور المحوري لزاوية السمت الشمسي وطول النهار إلى تأثير الغيوم والتلوث الجوي على الطيف الشمسي

العوامل المؤثرة في الإشعاع الشمسي الواصل لسطح الأرض

يُعد الإشعاع الشمسي المصدر الأساسي للطاقة على كوكب الأرض، وهو يلعب دورًا حيويًا في تشكيل المناخ، دورة المياه، والأنظمة البيئية. ومع ذلك، فإن كمية ونوعية الإشعاع الشمسي التي تصل إلى سطح الأرض لا تكون ثابتة، بل تتأثر بعدة عوامل معقدة، بعضها فلكي طبيعي، وبعضها يتعلق بالغلاف الجوي للأرض، وبعضها الآخر يعكس خصائص السطح المستقبِل للإشعاع. فهم هذه العوامل ضروري لدراسة المناخ، تصميم أنظمة الطاقة الشمسية، وتحليل التغيرات البيئية.


1. العوامل الفلكية (خارج الغلاف الجوي):

تتعلق هذه العوامل بمدار الأرض حول الشمس، وتأثيرها غالبًا ما يكون دوريًا ويمكن التنبؤ به:

  • ثابت الطاقة الشمسية (Solar Constant): هو متوسط كمية الإشعاع الشمسي الواصلة إلى وحدة المساحة العمودية على الأشعة الشمسية خارج الغلاف الجوي للأرض، عند متوسط المسافة بين الأرض والشمس. تبلغ قيمته حوالي 1361 W/m2. ورغم تسميته بـ"ثابت"، إلا أنه يتغير بشكل طفيف جدًا (حوالي 0.1%) بسبب التغيرات في نشاط الشمس نفسها (مثل دورات البقع الشمسية).
  • المسافة بين الأرض والشمس: تدور الأرض في مدار بيضاوي حول الشمس، مما يعني أن المسافة بينهما تتغير على مدار العام. تكون الأرض أقرب إلى الشمس في نقطة الحضيض (Perihelion) (حوالي 3 يناير) وأبعد ما تكون في نقطة الأوج (Aphelion) (حوالي 4 يوليو). عندما تكون الأرض أقرب إلى الشمس، يزداد الإشعاع الشمسي الواصل بحوالي 6%، وينخفض بنفس النسبة عندما تكون أبعد. هذا التغير يؤثر بشكل مباشر على كمية الطاقة التي تستقبلها الأرض ككل، ولكنه لا يفسر وحده الفصول الأربعة.
  • ميل محور دوران الأرض (Axial Tilt / Obliquity): يميل محور دوران الأرض بحوالي 23.5 بالنسبة للمستوى المداري. هذا الميل هو العامل الرئيسي المسؤول عن الفصول الأربعة. عندما يميل نصف الكرة الأرضية نحو الشمس، يستقبل أشعة شمسية أكثر مباشرة ولفترة أطول خلال اليوم (صيف)، وعندما يميل بعيدًا عنها، يستقبل أشعة أقل مباشرة ولفترة أقصر (شتاء). هذا الميل يؤثر بشكل كبير على زاوية سقوط الأشعة الشمسية ومدة النهار، وبالتالي على كمية الإشعاع الواصل لسطح الأرض في مناطق مختلفة.
  • زاوية سقوط الأشعة الشمسية (Solar Zenith Angle): تُعد زاوية سقوط الأشعة عاملًا حاسمًا. عندما تسقط أشعة الشمس بشكل عمودي (زاوية صفر عند الزوال الشمسي)، يكون تركيز الطاقة على مساحة صغيرة، مما يؤدي إلى تسخين أكبر. وكلما زادت الزاوية (أصبحت الأشعة مائلة)، انتشرت الطاقة على مساحة أكبر، وقلت شدتها على وحدة المساحة. هذا هو السبب في أن المناطق الاستوائية تتلقى إشعاعًا شمسيًا أكثر كثافة من المناطق القطبية. تتغير هذه الزاوية على مدار اليوم (من الشروق إلى الغروب) وعلى مدار العام (بسبب ميل محور الأرض).
  • طول النهار (Day Length): كلما زادت مدة تعرض منطقة معينة لأشعة الشمس خلال اليوم، زادت كمية الإشعاع الشمسي الكلية التي تستقبلها. يتغير طول النهار بشكل كبير مع خط العرض ومع الفصول، حيث تكون الأيام أطول في الصيف وأقصر في الشتاء في المناطق المعتدلة والقطبية.

2. العوامل الجوية (داخل الغلاف الجوي):

يمثل الغلاف الجوي حاجزًا ومغيرًا للإشعاع الشمسي قبل وصوله إلى سطح الأرض. تتفاعل المكونات المختلفة للغلاف الجوي مع الإشعاع الشمسي بعدة طرق:

  • الامتصاص (Absorption): تمتص بعض الغازات والمكونات في الغلاف الجوي أجزاءً معينة من الطيف الشمسي.

  1. الأوزون (): يمتص معظم الأشعة فوق البنفسجية الضارة (UV-B و UV-C)، مما يحمي الكائنات الحية على سطح الأرض.
  2. بخار الماء (): يمتص جزءًا كبيرًا من الأشعة تحت الحمراء، وله تأثير كبير على توازن الطاقة في الغلاف الجوي.
  3. ثاني أكسيد الكربون () والغازات الدفيئة الأخرى: تمتص الأشعة تحت الحمراء أيضًا، وتلعب دورًا في ظاهرة الاحتباس الحراري.
  • التشتت (Scattering): عندما يصطدم الإشعاع الشمسي بجزيئات الغاز (مثل النيتروجين والأكسجين) أو الهباء الجوي (مثل الغبار، الأملاح، الدخان)، فإنه يتشتت في اتجاهات مختلفة.

  1. تشتت رايلي (Rayleigh Scattering): يحدث بواسطة الجزيئات الأصغر من طول موجة الإشعاع (مثل جزيئات الهواء)، وهو المسؤول عن لون السماء الأزرق (حيث يتشتت اللون الأزرق ذو الطول الموجي القصير أكثر من الألوان الأخرى).
  2. تشتت مي (Mie Scattering): يحدث بواسطة الجزيئات الأكبر حجمًا (مثل حبوب اللقاح، قطرات الماء الصغيرة)، ويؤدي إلى ظهور السماء باللون الأبيض أو الرمادي في الأيام الضبابية أو الغائمة.
  • الغبار والجسيمات الهبائية (Aerosols): تُقلل الجسيمات العالقة في الغلاف الجوي (نتيجة للأنشطة البشرية مثل الصناعة والزراعة، أو الظواهر الطبيعية مثل العواصف الترابية والانفجارات البركانية) من كمية الإشعاع الشمسي المباشر الواصل إلى السطح عن طريق الامتصاص والتشتت. يمكن أن تؤثر هذه الجسيمات بشكل كبير على المناخ المحلي والعالمي.
  • الغيوم (Clouds): تُعد الغيوم من أهم العوامل الجوية المؤثرة على الإشعاع الشمسي.

  1. انعكاس الإشعاع (Reflection): تتمتع الغيوم بقدرة عالية على عكس جزء كبير من الإشعاع الشمسي إلى الفضاء (تأثير البياض). كلما زادت كثافة الغيوم وسماكتها، زادت كمية الإشعاع المنعكس، وقل ما يصل إلى السطح.
  2. امتصاص الإشعاع: تمتص الغيوم أيضًا جزءًا من الإشعاع الشمسي، خاصة بخار الماء وقطرات الماء داخلها.
  1. إعادة إشعاع الإشعاع: يمكن للغيوم أن تعيد إشعاع جزء من الطاقة التي امتصتها نحو السطح أو نحو الفضاء.
  • سمك الغلاف الجوي وزاوية السمت الشمسي (Atmospheric Path Length): عندما تكون الشمس منخفضة في الأفق (في الصباح الباكر أو قبل الغروب)، تمر أشعتها عبر طبقة سميكة جدًا من الغلاف الجوي. هذا يزيد من فرص الامتصاص والتشتت، مما يقلل من شدة الإشعاع الواصل للسطح ويُفسر اللون الأحمر أو البرتقالي للسماء عند الشروق والغروب. على النقيض، عندما تكون الشمس في أوجها (الزوال)، تمر الأشعة عبر أقصر مسافة في الغلاف الجوي.
  • التلوث الجوي (Air Pollution): تُسهم الملوثات الصناعية والعوادم في زيادة الجسيمات العالقة والغازات الممتصة للإشعاع، مما يُقلل من الإشعاع الشمسي المباشر ويُزيد من الإشعاع المنتشر.

3. خصائص السطح المستقبِل للإشعاع:

تؤثر طبيعة السطح الذي يستقبل الإشعاع الشمسي بشكل كبير على كمية الطاقة التي يتم امتصاصها أو عكسها:

  • البياض (Albedo): هو نسبة الإشعاع الشمسي المنعكس من السطح إلى الإشعاع الساقط عليه.

  1. الأسطح الفاتحة والثلج: تتمتع ببياض عالٍ (مثل الثلج الطازج الذي يعكس أكثر من 80% من الإشعاع)، مما يعني أنها تعكس معظم الإشعاع وتبقى باردة نسبيًا.
  2. الأسطح الداكنة: تتمتع ببياض منخفض (مثل الأسفلت أو التربة الداكنة التي تعكس أقل من 10% من الإشعاع)، مما يعني أنها تمتص معظم الإشعاع وتزداد حرارتها.
  3. الغطاء النباتي والمسطحات المائية: لها قيم بياض متوسطة ومختلفة حسب نوع النبات وكثافته، أو طبيعة سطح الماء (موجات، عمق).
  • الخصائص الحرارية للسطح: تختلف قدرة الأسطح على امتصاص وتخزين وإطلاق الحرارة، مما يؤثر على درجة حرارة السطح وكيفية توجيه الطاقة. فالمياه، على سبيل المثال، لديها سعة حرارية أعلى بكثير من اليابسة، مما يجعلها تسخن وتبرد ببطء أكبر.
  • انحدار السطح واتجاهه (Slope and Aspect): تلعب زاوية ميل السطح واتجاهه بالنسبة لأشعة الشمس دورًا حاسمًا في كمية الإشعاع التي يتلقاها. السطوح المائلة المواجهة للشمس مباشرة تتلقى إشعاعًا أكبر بكثير من السطوح المستوية أو المائلة بعيدًا عن الشمس، وهو أمر مهم جدًا في تصميم المباني وأنظمة الطاقة الشمسية.
  • الغطاء النباتي (Vegetation Cover): يؤثر الغطاء النباتي على الإشعاع الشمسي بعدة طرق، منها تظليل السطح، زيادة البياض (في بعض الحالات)، وامتصاص الكربون في عملية التمثيل الضوئي.

الخلاصة:

إن الإشعاع الشمسي الواصل إلى سطح الأرض هو نتيجة للتفاعل المعقد بين العوامل الفلكية المستقرة نسبيًا، والعوامل الجوية المتغيرة باستمرار، وخصائص السطح المتلقي. أي تغير في أحد هذه العوامل يمكن أن يؤثر بشكل كبير على توازن الطاقة على الأرض، وبالتالي على أنماط المناخ والظواهر البيئية. فهم هذه العوامل يُمكن العلماء والمهندسين من التنبؤ بالتغيرات المستقبلية وتطوير استراتيجيات للتكيف معها أو التخفيف من آثارها.

ليست هناك تعليقات

جميع الحقوق محفوظة لــ وريقات 2015 ©