قبائل تَكْنَة: عظمة الحضور وتنوّع الأصول في الصحراء الكبرى
تُعدّ قبائل تَكْنَة (Tekna) من أبرز وأعظم المجموعات البشرية التي سكنت وتستوطن منطقة الصحراء الكبرى وشمال غرب إفريقيا، وهي تشغل حيزاً جغرافياً واسعاً يمتد من جنوب المغرب وصولاً إلى الصحراء الغربية وموريتانيا. لا تقتصر أهميتها على عدد أفرادها، بل تتجذر في دورها التاريخي المحوري كقوة سياسية واقتصادية وعسكرية في هذه المنطقة الشاسعة.
التكوين والتقسيم الهيكلي (الجذعان الرئيسيان):
تتميز قبائل تَكْنَة بتكوينها المنقسم إلى جذعين رئيسيين، يمثلان اندماجاً وتفاعلاً تاريخياً بين العنصرين الأمازيغي والعربي في الصحراء، وهو ما يمنحها ثراءً ثقافياً واجتماعياً فريداً:
1. الجذع الأمازيغي: أَيْت عثمان (Ait Othman)
- الأصل والامتداد: يمثل هذا الجذع الفرع الأمازيغي الصنهاجي (أو المصمودي حسب بعض الأنساب) في تكْنَة. ويعود نسبه إلى "عثمان" الجد الجامع لهذا الفرع.
- الطابع والخصائص: تاريخياً، كان هذا الجذع يُعرف بطابعه الرعوي (الرحّل) بشكل أساسي، مما جعله يمتلك خبرة واسعة في دروب الصحراء ومسالك الرعي. كما لعبت فصائل منه أدواراً هامة في المقاومة والحفاظ على استقلاليتها.
- القبائل البارزة: ينضوي تحت هذا الجذع قبائل رئيسية منها على سبيل المثال لا الحصر: أيت باعمران (في الشمال) وأزوافيط وإِد براهيم وغيرها.
2. الجذع العربي: أَيْت جْمَل (Ait Jmel)
- الأصل والنسب: يمثل هذا الجذع الفرع العربي المعقلي في تكْنَة. ويُنسبون تقليدياً إلى "جمل" الجد الجامع لهذا الفرع، ويعكسون موجات الهجرة العربية التي وصلت إلى المنطقة.
- الطابع والخصائص: تميز هذا الجذع تاريخياً بكونه قوة عسكرية وتجارية منظمة. وكان لهم نفوذ كبير في تجارة القوافل العابرة للصحراء، وتحصيل الأتاوات (الحماية) على هذه الطرق.
- القبائل البارزة: يضم هذا الجذع قبائل كبرى مثل: لَعْرُوسِيِّين ويَگُوت وأولاد دَلِيم وأيت مُوسَى وعلِي وغيرها من القبائل التي تنتشر في الصحراء الغربية وجنوب المغرب.
الدور التاريخي والاجتماعي:
إن الانقسام إلى هذين الجذعين لم يكن انقساماً صراعياً في الغالب، بل كان تقسيماً وظيفياً أسهم في صقل هوية تكْنَة المركبة:
- الاندماج والتكامل: نشأت بين الجذعين علاقة تكامل ومصاهرة وتبادل للمنافع. ففي أحيان كثيرة، كان الجذع العربي (أيت جمل) يؤمن الحماية العسكرية لمسارات الرعي والتجارة، بينما كان الجذع الأمازيغي (أيت عثمان) يوفر خبرة الرعي ومعرفة المناطق الداخلية.
- النفوذ السياسي: سيطرت قبائل تكْنَة على معظم المجال الصحراوي الواقع بين وادي نون (كلميم) وحتى الساقية الحمراء، وشكلت قوة ضاربة في وجه أي محاولة للسيطرة الخارجية، مما جعل لها مكانة خاصة لدى السلاطين المغاربة عبر التاريخ.
- مركز التجارة: لعبت مدينة گْلْمِيم (كلميم)، عاصمة وادي نون، دوراً محورياً كملتقى لتجارة تكْنَة وكـ "بوابة الصحراء"، حيث كانت نقطة تبادل بين بضائع شمال المغرب (الأطلس والمناطق السهلية) وموارد الصحراء (الملح والتوابل وغيرها).
الخلاصة:
تمثل قبائل تكْنَة نموذجاً حياً لتمازج الحضارات في شمال غرب إفريقيا. إنها قوة اجتماعية وسياسية واقتصادية عظيمة، تنبثق عظمتها من هذا التنوع المنظم بين جذعيها، الأمازيغي "أيت عثمان" والعربي "أيت جْمل"، اللذين شكلا معاً واحدة من أقوى المجموعات القبلية في تاريخ الصحراء الكبرى.