العقود التوثيقية.. الحقوق المشهرة لا يكن المساس بها والطعن فيها لأنها أصبحت حقيقة ثابتة في مواجهة الجميع



نحن نعلم أن الجزائر أخذت بنظام الشهر العيني بعد أن كانت تأخذ بنظام الشهر الشخصي.
ولعل هذا ما أدى إلى بروز العديد من المشاكل نظرا لعدم التحكم في ضوابط الشهر من جهة، ولجهل المواطنين شروط التعامل في العقارات من جهة أخرى، إذ أن العديد لا يزالون يتعاملون بوثائق عرفية بدل السندات الرسمية في نقل أملاكهم العقارية، هذا ما انجر عنه منازعات كثيرة طرحت أمام القضاء، مما جعل القضاء يحسم الموقف ويفرض الرسمية كشرط للانعقاد في التصرفات المنصبة على العقارات.
هذه الرسمية التي يستمدها العقد من إرادة المتعاقدين الودية أي من خلال انصرافها أمام هيئة مخول لها قانونا إضفاء هذه الصبغة الرسمية نظرا لافتراض القانون فيها العدل والمشروعية، ألا وهو الموثق، مما يجعل هذه العقود في منأى عن كل طعن كونها تحوز حجية مطلقة لا يجوز الطعن فيها إلاّ بالتزوير.
والأكيد أننا نقصد بالعقد التوثيقي التصرف المبرم أي «Contrat» غير أن موضوع مذكرتنا لا يقتصر عند هذا الحد، بل يتعداه إلى المحرز في حد ذاته أي«L’act » (عندما يتعلق الأمر بالعقد المصرح بالملكية أي عقد الشهرة كما سيأتي بيانه).
وقد كنا نعتقد أن إلزامية الشهر في العقود المنصبة على الملكية العقارية بجميع أنواعها، سيزيد العقد التوثيقي حصنا على حصن بالنظر إلى ما يرتكز عليه نظام الشهر العيني من أسس متينة و منطقية تتمثل في القوة الثبوتية للشهر والأثر المطهر له، هذين المبدأين الذين لا ينتجان أثرهما إلاّ إذا سبقه بحث و تحري في كل ما يقدم إلى الموظف القائم بأعمال مصلحة الشهر، اللذان يترتب عليهما أن كل حق وارد بعقد أو محرر مشهر هو موجود بالنسبة للكافة.
وبهذا المنطق يصبح الحق المشهر مطهرا من كل الحقوق العالقة به و غير المشهرة، كما أن التصرف المعيب الذي أدى إلى إشهار الحق لا يؤثر في الحق الوارد بالعقد التوثيقي المشهر إذا ما ابطل أو فسخ هذا الأخير.
وعليه فالحقوق المشهرة لا يكن المساس بها والطعن فيها لأنها أصبحت حقيقة ثابتة في مواجهة الجميع، غير أن الملاحظ أن هذه المبادئ وآثارها وما يترتب عليها من نتائج جد مهمة تبقى نظريات ومبادئ مجردة لا غير، لأنه في العديد من المرات يحدث أن يلجأ أحد المتعاقدين أو ورثته و يطعنون في العقد التوثيقي رغم إشهاره، لاجئين بذلك إلى ساحة القضاء طاعنين في صحة العقد استنادا إلى عيب معين أو سبب ما دون أهمية في نظرهم لحجية هذا العقد بعد إشهاره.
وأكيد أن هذا الأمر والتناقض الصارخ بين حجية العقد التوثيقي وآثار الشهر العيني من جهة وبين الطعن في مثل هذه العقود من جهة أخرى يجعلنا نتساءل عن الوضعية الحقيقية للعقود التوثيقية المشهرة ومكانها العملية.!


مواضيع قد تفيدك: