مشهد الولي الصالح الشيخ محمد السقواتي: من الساقية الحمراء إلى قلب الخليل
يُعدّ مشهد الشيخ الشريف محمد بن عبد الله السقواتي الحسيني رضي الله عنه معلماً روحياً يضرب بجذوره في عمق التاريخ الإسلامي لمدينة الخليل، ورمزاً حياً للعلاقات الروحية والتاريخية الممتدة بين بلاد المغرب والمشرق العربي.
1. الهوية والنسب والأصل الجغرافي:
أ. الأصول المغربية (الساقية الحمراء):
الشيخ محمد السقواتي هو ولي صالح وعالم جاء من بلاد المغرب الأقصى وتحديداً من منطقة الساقية الحمراء. وقد وفد إلى فلسطين في فترة تاريخية هامة، هي فترة ما بعد فتوحات السلطان صلاح الدين الأيوبي وتحرير بيت المقدس، والتي شهدت توافداً كبيراً للعلماء والمتصوفة والمجاهدين المغاربة للإقامة والجوار في المدن المقدسة كـالقدس والخليل.
ب. اللقب والنسب الشريف:
- اللقب: السقواتي: يعود هذا اللقب، كما هو موثق في السجلات، إلى مسقط رأسه الأصلي في الساقية الحمراء بالمغرب، التي نُسب إليها وعُرف بها في الشام.
- النسب: الحسيني: يؤكد المؤرخون وأشراف الخليل أن الشيخ ينحدر من نسل الإمام الحسين بن علي سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما منحه مكانة اجتماعية ودينية مرموقة كـ "شريف حسيني". وهو الجد الأكبر لعائلة "آل الشريف السقواتي" في الخليل.
2. الدور التاريخي والعلمي (القرن السابع الهجري):
أ. دوره كعالم ومتصوف:
يشير الباحثون إلى أن الشيخ السقواتي لم يكن مجرد زاهد، بل كان عالماً عارفاً ومحققاً وبارعاً في الفقه، حتى قيل إنه كان إماماً عالماً بالمذاهب الأربعة (رغم كونه مالكي الأصل غالباً). وقد بدأ نشاطه في المشرق كـ مدرس في المسجد الأقصى المبارك، ثم انتقل إلى الخليل واشتغل مدرساً في الحرم الإبراهيمي الشريف.
ب. التأسيس الصوفي (زاوية الأشراف المغاربة):
يُنسب للشيخ محمد السقواتي تأسيس زاوية المغاربة في مدينة الخليل. هذه الزاوية:
- الموقع: تقع في موقع حيوي، تحديدًا قبالة الركن الشمالي الغربي للحرم الإبراهيمي الشريف.
- الأهمية: كانت بمثابة مركز روحي وعلمي وإيوائي للمغاربة والأشراف الوافدين على الخليل. وعُرفت الزاوية لاحقاً باسم "زاوية الأشراف"، وهي تُسجل كوقف إسلامي.
- الدور الصوفي: يُذكر في بعض المصادر أن الشيخ السقواتي كان شيخ الطريقة الخلوتية، التي تطورت في الخليل لاحقًا إلى الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية على يد أحد أحفاده، مما يثبت دور الشيخ التأسيسي في الحركة الصوفية بالمدينة.
ج. وفاته وموقع مشهده:
توفي الشيخ محمد بن عبد الله السقواتي في 17 ربيع الآخر سنة 652 هـ (الموافق 1254 م تقريباً).
يقع مشهده (مقامه) قريباً من قمة "جبل الرميدة"، في منطقة مرتفعة تطل على الحرم. وقد كان على قبره في الأصل "جامع صغير" (جامع السقواتي)، إلا أنه تهدم واندثر مع مرور الزمن. ويُعرف القبر بوجود نقش رخامي يؤرخ لوفاته وينص على علمه وشرفه.
3. الرمزية الروحية وتراث "الاستسقاء":
يحتفظ مشهد السقواتي بمكانة عظيمة في الذاكرة الشعبية لأهل الخليل، تتجاوز الجانب التاريخي إلى الروحي العملي:
أ. الكرامات والتبرك:
يُعد المشهد مزاراً مهماً يزوره أهل الخليل للتبرك بالولي وطلب الدعاء، وقد شاعت في المدينة قصص عن "كرامات" صاحبه.
ب. طقس "الاستسقاء" الشعبي:
أبرز مظاهر مكانة المشهد هي ارتباطه بتقليد الاستسقاء (طلب نزول المطر) عند انحباس الغيث والقحط. ففي مثل هذه الظروف:
- الإجراء: يجتمع أهل الخليل ويصعدون إلى مكان المشهد بعد صلاة الجمعة في الجوامع.
- الهدف: يتضرعون إلى الله سبحانه وتعالى ويستغيثون به حول المشهد لإنزال المطر.
ج. التفسير الشعبي للقب:
نتيجة لنجاح هذه الاستغاثات غالباً، نشأ بين العوام اعتقاد بأن تسمية الشيخ بـ "السقواتي" لم تكن نسبة للساقية الحمراء، بل جاءت بسبب علاقته الروحية بـ سقيا المطر، أي كونه سبباً في نزول الغيث، وهذا يؤكد مدى رسوخ المشهد كرمز للأمل والرجاء عند الشدائد.