صلة أيت اوسا بالاستعمار – المقاومة ما قبل سنة 1934.
إذا لا بد لنا أن نتعرف إلى نقاط الابتداء الحقة لهذه السنين المثقلات بالأحداث، فانه يتوجب علينا أن نعيد إلى الذاكرة سنة 1830، وهي سنة احتلال فرنسا للجزائر، وسنة 1881 إذ وطدت فرنسا نفوذها في تونس.
أن المغرب وهو القطر الوحيد الذي ظل مستقلا بشمال افريقيا، فقد أثار الإغراء وأصبح مطمح الأطماع والمنافسات الأوربية، فبينما كان المولى الحسن وهو السلطان العزيز الوحيد من أهل القرن التاسع عشر، يعمل جاهدا في سبيل وحدة البلاد وإنعاشها، كان الضغط الخارجي الذي فرضته أوربا منذ سنة 1873 مما يعقد الأمور ويزيد في جسامة مهمة السلطان.
ولما توفي في سنة 1894 انتقل العرش الشريف إلى ولده عبد العزيز، وكان حدثا في أوائل العقد الثاني من عمره، ولم يكن له من القدرة أو نفاد الشخصية ما يمكنه من خلق الوحدة التي كانت تلزم البلاد لتمكنها من الوقوف في وجه المطامع الأجنبية، وهكذا طبع تاريخ المغرب منذ سنة 1900 بطابع تاريخ الاستعمار الأوربي.
لقد كان لاشتداد الضغط الامبريالي على المغرب في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين دورا حاسما في الدفع بمسلسل المقاومة المسلحة إلى الظهور على الساحة المغربية بعد أن عرف المخزن عدة صعوبات تتعلق بتدهور الأوضاع الداخلية، مما جعله يشعر بصعوبة مواجهة القنصل الأجنبي عموما والفرنسي على وجه الخصوص، وترك الأمر إلى القبائل التي عبرت عن رفضها للتدخل الأجنبي، والحديث عن مقاومة قبيلة أيت أوسا يجرنا إلى الحديث عن جهاد شرفاء زاوية أسا وصدهم للمد المسيحي إبان ظهوره بشواطئ المنطقة، حيت أن زاوية أسا شكلت القاعدة الأولى للتقاليد الجهادية بمجمل منطقة سوس والساقية الحمراء.
تعتبر قبيلة ايت اوسا إحدى القبائل الصحراوية المحاربة، إذ تتوفر على قوة عسكرية مهمة، وكانت دائما في حروب متصلة وتأهب مستمر مع باقي قبائل المنطقة.
بعد وفاة المرابط الشيخ ماء العينين سنة 1910، قاد من بعده حركة الجهاد ضد النصارى ابنه احمد الهيبة الذي كان على رأس وحدات القبائل الصحراوية والسوسية، إضافة الى 200 مقاتل من تكنة أغلبهم من لف أيت عثمان.
ولقد دخلت هذه الحركة الجهادية في صراع مع الجيوش الفرنسية بمدينة مراكش، وتلقت هزيمة كبيرة في معركة سيدي بوعثمان.
وخلال مواجهة المجاهدين المستعمر الفرنسي سقط احد أبرز رجالات قبيلة أيت اوسا القائد محمد بن احمد شياهو، إضافة الى كل من لحسن بن حماد الايتوسي والمحجوب بين يحيى وابراهيم بن مبارك.
لقد لقيت الدعوة الى الجهاد ومقاومة المستعمر صدى واسعا في اوساط قبيلة ايت اوسا حيث وقفت على قدم وساق دفاعا عن ارض الوطن.
ويؤكد جل المبحوثين ان أغلب هجومات قبائل الصحراء ضد المستعمر لم تخلو من مشاركة القبيلة، حيث التحمت عدة قبائل من بينها نذكر: الركيبات، العروسيين، اولاد تيدرارين، اهل الشيخ ماء العينين، إزركيين، ثم أيت اوسا، رغبة منها في مهاجمة قوات فرنسية ترابط بمنطقة نواديبو، فقد نفد المجاهدون هجومهم ليلا على العدو مخلفين بذلك عدة ضحايا في صفوفه، كما استشهد عدد من المجاهدين نذكر من قبيلة أيت اوسا احمد محمود بن عبد الرحمان.
انسحب المجاهدون ليلا حتى لا تتمكن طائرات العدو من ملاحقتهم خلال النهار وتحسبا لأي تقدم للقوات الفرنسية من شأنه ان يضم تراب القبيلة إلى مناطق نفوذه خاصة وأن منطقة أقا تشرف على منطقة القبيلة من الشمال، قامت قبيلة أيت أوسا بشن هجوم على القوات الفرنسية سنة 1932 بمنطقة "حاسي الكرمة" فشكلت هزيمة مؤلمة لفرنسا.
والجدير بالذكر أن سنة 1934 تعتبر بداية إخضاع قبيلة أيت اوسا للحماية الفرنسية، واستمرارا لسنتها الجهادية ضد المستعمر رأت قبيلة أيت اوسا ان الفرصة حانت لمجابهة المستعمر من جديد، وهذه المرة المستعمر الاسباني المتمركز بطرفاية.
عندما تبينت النوايا الحقيقية للقوات الاسبانية في إخضاع المنطقة والتوغل داخليا، فكرت قبيلة ايت اوسا بتكوين "غزي" يتجه نحو الساحل.
وقد لقيت فكرة مجابهة المستعمر الاسباني معارضة القائد محمد ولد الخرشي احد أبرز رجال القبيلة، ومعارضته هذه جاءت نتيجة لاقتراب القوات الفرنسية من ارض القبيلة، وتخوفه من زحفها نحو المنطقة، لكن القبيلة أصرت على مواجهة المستعمر الاسباني، وفي منطقة "تويدرارت" واحتدم القتال بين القبائل الصحراوية والمستعمر الاسباني، والتي انتهت مخلفة عددا كبيرا من القتلى في صفوف القبيلة نذكر من بينهم القائد: عليات بن محمد شياهو، احمد بن محمد بن الحسين، علي بن الوناس... كما شاركت قبائل أخرى في هذه المعركة ازوافيط ويكوت ، وعند عودة أفراد القبيلة من المعركة صادفوا تواجد المستعمر الفرنسي بأرضهم.
منذ الثلاثينيات توقف العمل المسلم ضد المحتل سواء في الشمال أو في الجنوب واستطاعت فرنسا واسبانيا أن تتنفس الصعداء عسكريا بعد سلسلة من الانتصارات العسكرية التي حققتها المقاومة المسلحة في جملة من المعارك.