سياق المقاومة المغربية ضد الاستعمار:
لفهم مقاومة قبائل "آيت أوسا"، يجب أولاً العودة إلى السياق التاريخي الذي دفع المغرب نحو مواجهة الاستعمار الأوروبي. فبعد احتلال فرنسا للجزائر عام 1830 وتونس عام 1881، أصبح المغرب هو الدولة المستقلة الوحيدة في شمال إفريقيا، مما جعله محط أنظار القوى الأوروبية وطموحاتها التوسعية.
في هذه الفترة، كان السلطان المولى الحسن الأول يسعى جاهداً لتوحيد البلاد وتقويتها، لكن الضغط الأوروبي المتزايد منذ عام 1873 جعل مهمته شاقة. بعد وفاته عام 1894، تولى العرش ابنه السلطان عبد العزيز، الذي كان صغيراً في السن ويفتقر إلى القوة الكافية لتوحيد البلاد وتعبئتها ضد المطامع الأجنبية، مما أدى إلى تزايد النفوذ الأوروبي وتدهور الأوضاع الداخلية.
هذا التدهور دفع بالمقاومة المسلحة إلى الظهور، خاصة وأن المخزن (السلطة المركزية) وجد نفسه عاجزاً عن مواجهة القناصل الأجانب. وهكذا، تحولت مهمة الدفاع عن الوطن إلى القبائل، التي عبرت عن رفضها القاطع للتدخل الأجنبي.
"آيت أوسا": قبيلة محاربة في قلب المقاومة
قبيلة "آيت أوسا" هي إحدى القبائل الصحراوية المحاربة التي اشتهرت بقوتها العسكرية واستعدادها الدائم للقتال. لقد كانت هذه القبيلة جزءاً لا يتجزأ من الحركة الجهادية التي انطلقت من منطقة سوس والساقية الحمراء، والتي كانت زاوية أسا مركزها الأساسي.
1. الجهاد ضد الاحتلال الفرنسي (ما قبل 1934):
- قيادة أحمد الهيبة: بعد وفاة المرابط الشيخ ماء العينين عام 1910، تولى ابنه أحمد الهيبة قيادة حركة الجهاد ضد الفرنسيين. شكلت القبائل الصحراوية والسوسية وحدات قتالية قادها الهيبة، وشاركت في معارك كبرى.
- معركة سيدي بوعثمان: دخلت هذه القوات في مواجهة حاسمة مع الجيش الفرنسي بالقرب من مراكش. ورغم الهزيمة الكبيرة في معركة سيدي بوعثمان، إلا أنها كانت دليلاً على إصرار القبائل على المقاومة.
- بطولات شهداء "آيت أوسا": خلال هذه المعارك، قدمت قبيلة "آيت أوسا" العديد من الشهداء، أبرزهم القائد محمد بن أحمد شياهو، بالإضافة إلى لحسن بن حماد الأيتوسي، والمحجوب بين يحيى، وإبراهيم بن مبارك.
كانت قبيلة "آيت أوسا" دائماً حاضرة في المواجهات الكبرى، وشاركت في عدة هجمات ضد القوات الفرنسية، متحالفة مع قبائل أخرى مثل: الركيبات، والعروسيين، وأولاد تيدرارين، وأهل الشيخ ماء العينين، وإزركيين.
- هجوم نواديبو: في إحدى هذه الهجمات، شنت القبائل الصحراوية هجوماً ليلياً على القوات الفرنسية المتمركزة في منطقة نواديبو، وكبدتها خسائر كبيرة، وقدمت "آيت أوسا" شهيداً هو أحمد محمود بن عبد الرحمان.
- هجوم حاسي الكرمة: في عام 1932، شنت قبيلة "آيت أوسا" هجوماً آخر على الفرنسيين في منطقة "حاسي الكرمة"، وألحقت بهم هزيمة مؤلمة، مما أظهر شراسة المقاومة.
2. مقاومة الاحتلال الإسباني ونتائجها:
في عام 1934، بدأت قبيلة "آيت أوسا" تخضع للنفوذ الفرنسي، لكن إصرارها على الجهاد لم يتوقف. فمع اقتراب القوات الإسبانية من منطقة طرفاية، قررت القبيلة مواجهتها.
- معارضة القائد الخرشي: قوبلت فكرة مواجهة الإسبان بمعارضة من القائد محمد ولد الخرشي، الذي كان يخشى من زحف القوات الفرنسية نحو أراضي القبيلة.
- معركة "تويدرارت": رغم هذه المعارضة، أصرت القبيلة على المضي قدماً. اندلع قتال عنيف في منطقة "تويدرارت" بين القبائل الصحراوية والقوات الإسبانية، وشاركت في هذه المعركة قبائل أخرى مثل أزوافيط وويكوت.
- شهداء المعركة: انتهت المعركة بخسائر كبيرة في صفوف القبائل، واستشهد فيها عدد من قادة "آيت أوسا" أبرزهم عليّات بن محمد شياهو، وأحمد بن محمد بن الحسين، وعلي بن الوناس.
عاد المقاتلون من هذه المعركة ليجدوا القوات الفرنسية قد سيطرت على أراضيهم، مما يوضح أن القبيلة كانت تواجه جبهتين في وقت واحد. وبحلول الثلاثينيات، تمكنت فرنسا وإسبانيا من إخضاع المقاومة المسلحة بشكل كبير، لكن بطولات قبائل الصحراء، ومنها "آيت أوسا"، ظلت شاهداً على صلابة المقاومة المغربية.