رباط شاكر: أيقونة المغرب الروحية والتنموية؛ استعراض لأعلامه في القرون الوسطى (الزرهوني، المليجي) وتفصيل لمشروع إعادة الهيكلة الملكي كمعلمة عالمية

الأهمية التاريخية والروحية لرباط شاكر في تاريخ المغرب:

يُعد رباط شاكر صرحًا تاريخيًا وروحانيًا بالغ الأهمية، تتجلى قدسيته وتأثيره العميق في تاريخ الإقليم والمنطقة المحيطة، ويمتد هذا الأثر ليصبح جزءًا لا يتجزأ من تاريخ المملكة المغربية العريق. وتؤكد هذه المكانة المحورية سجلات التاريخ، وخاصة ما ورد في كتاب "التشوف إلى رجال التصوف" للعلامة أبي يعقوب التادلي، والذي يسلط الضوء على حركة الصالحين والأولياء الذين ازدهر بهم الرباط خلال القرنين السادس والسابع الهجريين (الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين).


الرباط محج الصالحين والأولياء:

استقطب رباط شاكر نخبة من أعلام التصوف والزهد والفقهاء، مما جعله مركزًا للإشعاع الروحي والعلمي. ومن أبرز الشخصيات التي ارتبطت به أو درجت على زيارته والدراسة فيه:

  • أبو زكرياء يحيى بن موسى المليجي: كان هذا الولي الجليل من تلامذة الشيخ أبي عبد الله بتالغت، ومن شيوخ عبد الخالق بن ياسين. اشتهر بكونه من أكابر الأولياء، وتواترت عنه العديد من الكرامات والعجائب. ومن دلائل تعلقه بهذا المكان، أنه كان يحج كل عام، واختار الرباط مدفنًا له حسب وصيته ورغبته.
  • موسى بن وركون: كان شخصية اجتماعية وروحية، عرف بمخالطته للقوم وتردده المتواصل على رباط شاكر للاستفادة والمشاركة الروحية.
  • شخصيات نسائية صالحة: تبرز مكانة المرأة الصالحة في تاريخ الرباط، ومن ذلك أمينة بنت ميمون الدكالي، وكذلك امرأة مجهولة صالحة زارته عام 603 هـ، وكانت عجوزًا تسكن حومة باب أغمات بمراكش، مما يدل على أن الرباط كان مقصدًا للرجال والنساء على حد سواء.
  • عيسى بن موسى المراكشي: كان هذا الولي حلقة وصل بين عدة مدارس صوفية، حيث خالط رجال "التشوف" وكان له تردد مستمر على رباط شاكر بالإضافة إلى رباط آسفي.
  • أبو عبد الله محمد ابن موسى الأزكاني: كان أصله من أزكان واستقر بصفرو حيث توفي بعد 590 هـ. اعتُبر من "الأفراد والأكابر" في عصره. وبعد توبته، انطلق في رحلة روحية للبحث عن الصالحين، وكان رباط شاكر أحد أبرز محطاته في هذه الرحلة الروحية.
  • أعلام وفقهاء آخرون: شملت قائمة زوار ومقيمي الرباط كلًا من أبو العباس أحمد بن إبراهيم الأزدي، وأبو علي عمر ابن عمران السمائلي (نسبة إلى بني سمايل بدكالة)، والذي كان من كبار المشايخ والفقهاء. وكان برفقته بـرباط شاكر الشيخ عيسى بن موسى. كما زاره أبو وزاغا ر تيغاوت ابن علي المشنزائي (أبو سهل نور بن علي)، والفقيه أبي إبراهيم بن يغمور، وأبو عبد الحق بن عبد الله، وأبو محمد تيلجي ابن موسى الدغوغي، وأبو محمد عبد الله ابن عثمان الصنهاجي المعروف بالزرهوني، وأبو مهدي وين السلامة بن جلدا سن الدغوغي المدعو بأبي مهدي الغوث.


الطابع العسكري والروحي ووظائف الرباط:

لقد تميز رباط شاكر، شأنه شأن العديد من الروابط التاريخية، بجمع وظيفتين أساسيتين: الطابع الحربي والدفاعي لكونه رباطًا على ثغر أو موقع استراتيجي، والوظائف الدينية والروحية، كمركز للعبادة، والتعليم، وحلقات الذكر، وإيواء الزهاد. هذا المزيج من الأدوار جعله محط اهتمام بالغ من قبل سلاطين المغرب المتعاقبين.


اهتمام سلاطين المغرب بالرباط على مر العصور:

1. فترة السعديين:

على الرغم من قلة الوثائق التي تثبت اهتمام بعض السلاطين، إلا أن السعديين أظهروا اهتمامًا اقتصاديًا بالغًا بالموقع، حيث أقاموا بالقرب منه زراعة قصب السكر، وأنشأوا المصانع اللازمة لعملية التصنيع، مما يدل على استغلال المنطقة لأهميتها الاقتصادية إلى جانب الروحية.

2. فترة العلويين:

  • السلطان سيدي محمد بن عبد الله: يذكر المؤرخ الناصري في "الاستقصا" أن السلطان، عند عودته من الصويرة إلى مراكش، مر برباط شاكر الذي كان معروفًا كأحد المزارات المشهورة ومجمعًا للصالحين منذ القدم. وتعبيرًا عن اهتمامه، أمر بتجديد مسجده، وأشرف على حفر أساسه وإعادة تشييده، مما يدل على اهتمام ملكي مباشر بتجديد الصرح الديني.
  • السلطان مولاي الحسن الأول: كان هذا السلطان يولي الرباط عناية خاصة وكثيرة الزيارة، وقد كانت غالبية زياراته "على طريق الخفاء"، بهدف التعبد والانزواء عن ضوضاء وجلبة الحياة العامة، مؤكدًا على الوظيفة الروحية والتأملية للرباط.
  • الملك محمد الخامس: في عهده، استجاب جلالته لنداءات العلماء بتجديد وإصلاح الرباط، وفعلاً طالته يد الإصلاح بإشراف القائد العربي بلكوش، وأصبح الرباط مصنفًا رسميًا ضمن المآثر التاريخية للمغرب.
  • الملك الحسن الثاني: كان دأب هذا الملك العالم توجيه توصيات مستمرة إلى عماله بضرورة الانتباه إلى هذا المقام، واعتباره من أهم المآثر التاريخية وأقدم الآثار الإسلامية في الديار المغربية، مما رسخ مكانته كمعلمة وطنية.
  • الملك محمد السادس: استمرارًا لنهج أسلافه السلاطين الأشراف، أصدر أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس تعليماته في سنة 1425هـ / 2004م، بهدف الارتقاء بسيدي شيكر ليصبح معلمة روحية عالمية يُعتد بها. وتضمنت هذه التعليمات خطة طموحة وشاملة:

  1. ترميم المسجد وتأهيله.
  2. القيام بتنقيبات أثرية دقيقة.
  3. العناية بالمقبرة التاريخية.
  4. تهيئة مصلى في الفضاء المفتوح.
  5. إقامة بنية استقبال ذات طابع بسيط ومناسب للمكان.
  6. إنشاء منشآت تعليمية وعلمية وفنية ملائمة لفكرة اللقاء والملتقيات.
  7. تهيئة مجال واسع لزراعة النباتات العطرية والطبية على مساحة ثلاثمائة هكتار، ربطًا للتنمية بالروحانية.


الآثار المتوقعة للمشروع التنموي:

إن هذه المنجزات الكبيرة المذكورة أعلاه، لا تهدف فقط إلى تعزيز الدور الديني والروحي والتاريخي لرباط شاكر، بل ستساهم بشكل فعال وملموس في تنمية المنطقة، ورفع التهميش عن ساكنتها. ويعلق المهتمون والمراقبون آمالًا كبيرة على الإسراع في تنفيذ هذه التعليمات الملكية السامية من قبل الجهات الموكل لها أمر التنفيذ، لضمان استعادة الرباط لدوره الحضاري الشامل.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال