أيت أوسا تحت الاستعمار وخلخلة البنيات التقليدية.. من الاستقلالية الذاتية إلى فقدانها بخصوص تدبير شؤونها وأمورها الداخلية



شكلت  سنة 1934 منعطفا جديدا في مسار تاريخ قبيلة أيت اوسا، فهي بمثابة قطيعة ين مرحلتين متباينتين:
ـ المرحلة  الاولى: تمتعت القبيلة بنوع من الاستقلالية الذاتية.
ـ المرحلة  التانية: فقدت القبيلة استقلاليتها بخصوص تدبير شؤونها وأمورها الداخلية.
مع دخول المستعمر الفرنسي والاسباني لأرض القبيلة تم تقسيمها الى مجالين: مجال خاضع للنفوذ الفرنسي وآخر خاضع للنفوذ  الاسباني، وقد اعتبر وادي درعة حدا فاصلا بين هاذين المجالين، هذا التقسيم كان له انعكاسات  جد وخيمة على القبيلة.
 بعد إحكام المستعمر سيطرته  على المنطقة عملت الادارة الفرنسية على تكريس  سلطة القانون بمفهومه الحديث عن طريق احداث مكاتب الشؤون الأهلية تحت رئاسة ضباط عسكريين وذلك لاستتباب الامن ومراقبة تحركات القبيلة، ومن هؤلاء نجد القبطان دفرست  De furst  واليوتنان دوبريل Douprill،  والفسيان دترتر ditertre، كان  ضباط الشؤون الاهلية  يسيرون المناطق العسكرية وينتدبون بواسطة  وزير الحربية باقتراح من المقيم العام، وهم تابعون للمديرية الداخلية احدى المصالح الأساسية للسيطرة الفرنسية بالمغرب، والتي لم يتوقف دورها عن التعاظم .
عملا بالسياسة الاستعمارية بمبدأ التوسع القائل: "فرق تسد" ارتأت  الإدارة الفرنسية  إلى تحطيم  الهياكل والبنيات  التقليدية للقبيلة بما فيها مؤسسة "أيت الربعين" التي عرفت نوعا من الانكسار، عندما تحولت السلطة الفعلية إلى يد المستعمر الذي عين قائدان للقبيلة: محمد ولد الخرشي قائد على فرقة إذاومليل والرباني ولد حمدي قائدا على فرقة إذاونكيت.
ونتيجة لهذا التغيير فان مجلس "أيت الربعين" قد تلاشت فعاليته وبالتالي تحولت كل الصلاحيات التي كانت بيد رجال ايت الربعين إلى الإدارة الاستعمارية من خلال إحداث  "محاكم شرعية" بالمنطقة، وقد صنفت قبيلة ايت اوسا كإحدى القبائل الخاضعة للأحكام الشرعية الصادرة عن المحكمة الشرعية بكلميم.
ومنذ سنة 1937 أصبحت أيت اوسا على  ارتباط بأحكام القاضي الشرعي بكلميم.
لقد قسمت تراب قبيلة أيت أوسا إلى منطقة نفوذ  فرنسي وأخرى منطقة نفوذ اسباني كما سلف الذكر، هذا لم يكن ليرضي الطرف الاسباني وهو ما يؤكده دوفرست De furst.
لكن يبدو أن الاسبان لم  يتقبلوا  بشكل نهائي امر الواقع، ففي مقال موقع من طرف لبارنابي راتو Barnabe Rato الذي ظهر سنة 1935 في مجلة "أفريكا" Africa عن ضرورة إحداث تقسيم فيما بعد  عن طريق الفروع اي ان تكون فرقة ادا ومليل تابعة لاسبانيا،فيما تكون فرقة إذاونكيت تابعة لفرنسا، واما من جهة الاسبان فقد اهتموا منذ ذلك الحين  بقسم إذاومليل  بفرع أيت وعبان وبالاخص.
كما حرصوا على الاحتفاظ بربط علاقات طيبة معهم، وأما اتصالهم بقسم إذاونكيت فيتطلب منهم بناء مركز.
كانت لسياسة الأخذ والرد بين اسبانيا وفرنسا انعكاسات سلبية على القبيلة، إذ أن تحركاتها ضعفت، حيث أن تنقل أفراد القبيلة عبر هاتين المنطقتين مرتبط ببعض الإجراءات ولا يكون بمقدور أين كان الدخول إليهما إلا بعد التوفر على تصريح المرور ورخصة الرعي.
كان لزاما على افراد القبيلة الحصول على رخصة التنقل من اجل قضاء مصلحة او زيارة موسم "المولود" المنعقد بأسا بالنسبة لأفراد التابعين  للنفوذ الاسباني، أو جني تمور النخيل "تيويزكي الرمث" أو بالحرث بالأراضي الواقعة تحت النفوذ الاسباني.
في صيف كل سنة كان أبناء القبيلة المالكين لعدد من الجنانات "الصبارالهندي" (أكناري)  في المنطقة التابعة لاسبانيا بمنطقة "زيني"، "بومكاي"... لابد  لهم من الحصول على رخصة المرور  قصد استغلال هذا المنتوج، وحينما  تكون الاراضي التابعة لاسبانيا خصبة لابد  للأهالي  الذين يعتمدون على حياة الترحال من توفرهم على رخصة الرعي.
كانت الإدارة الاستعمارية ثبت في النزاعات والتطاحنات بين القبائل سواء تعلق الأمر بالصراع حول الأرض أو باماكن المياه، كما هو الشأن في النزاع الذي وقع  بين قبيلة  أيت اوسا وأيت ياسين.
كما شهدت علاقة قبيلة أيت اوسا  مع ايت لحسن خصمها التقليدي تحسنا، إذ تم  فض النزاع الذي طرأ بخصوص الارض، كما تبين ذلك الوثيقة المؤرخة بتاريخ 25 يناير 1937 بخصوص أرض" الفايجا".
لم تكن قبيلة أيت اوسا لتتعايش مع المستعمر الفرنسي  والاسباني، فالقبيلة بكل مكوناتها وعناصرها رفضت وبحدة  كل تداخل مع المستعمر، وحسب عدد من المستجوبين "لا يجوز الصلاة على من يعمل مع المستعمر خاصة الجنود" ولعل مواقف القائد محمد الخرشي تجاه المستعمر خير معبر عن مدى رفض القبيلة لمختلف أنواع الهيمنة والاستغلال، ويمكن اعتبار جوابه حينما طلب منه تحديد أرض ومجال القبيلة "أينما كانت الأمطار فتم تراب أيت اوسا"، وحينما يطلب من شيوخ  القبيلة إحصاء للثروات الحيوانية فانهم لا يعطون إحصاءا دقيقا بقدر ما يكون تقريبي، وهذا دليل على كرههم للاستعمار.


مواضيع قد تفيدك: