نظام التعليم الثانوي في موريتانيا: هيكل وتطور
يُعد التعليم الثانوي في موريتانيا مرحلة أساسية تلي التعليم الابتدائي، وقد شهد هذا النظام تحولًا هيكليًا هامًا في العصر الحديث. وقد تغيرت مدة الدراسة بشكل لافت بموجب قانون عام 1999، حيث أصبحت المدة الإجمالية للمرحلة سبع سنوات، بعد أن كانت ست سنوات في السابق.
تقسيم المرحلة الثانوية: الإعدادية والثانوية
تنقسم مرحلة التعليم الثانوي الموريتاني إلى شقين متكاملين:
1. المرحلة الإعدادية (College):
تُشكل المرحلة الإعدادية الشق الأول ومدتها أربع سنوات دراسية. وتتميز هذه المرحلة ببدء تدريس مواد جديدة بمزيج لغوي.
- تدرج تدريس المواد العلمية: يبدأ الطلاب بدراسة اللغة الإنجليزية في السنة الأولى، ثم تُضاف مادة الفيزياء في السنة الثالثة، وتُختتم بإدراج مادة علوم الكمبيوتر في السنة الرابعة.
- اللغة التدريسية: يتم تدريس العلوم الحديثة مثل الفيزياء وعلوم الكمبيوتر باللغة الفرنسية. في المقابل، تُدرَّس المواد الاجتماعية والدينية مثل الجغرافيا، التاريخ، التربية الدينية، والثقافة الإسلامية باللغة العربية، مما يعكس الازدواجية اللغوية في النظام التعليمي.
2. المرحلة الثانوية (Lycée):
تُمثل المرحلة الثانوية الشق الثاني والأخير، وتستقبل الطلاب الناجحين في المرحلة الإعدادية.
- مدة الدراسة: تمتد الدراسة في هذه المرحلة لثلاث سنوات، بعد أن كانت سنتين فقط قبل إصلاحات عام 1999، مما أتاح عمقًا أكبر في التخصص.
- نظام التوجيه والشُعب: عند الانتقال إلى هذه المرحلة، يتم توجيه الطلاب نحو اختيار إحدى الشُعب الأربع المتاحة. يتم هذا التوجيه بناءً على مجموع درجات الطالب وتحصيله في المواد الدراسية خلال سنوات المرحلة الإعدادية، مما يحدد مسارهم الأكاديمي المستقبلي.
الشُعب الأكاديمية في المرحلة الثانوية:
تتميز المرحلة الثانوية بنظام توجيه أكاديمي يقسم الطلاب إلى أربع شُعب رئيسية، يتم اختيارها بناءً على نتائجهم في المرحلة الإعدادية. وتختلف هذه الشُعب في تركيزها المعرفي ولغة التدريس الرئيسية:
1. الشعب الأدبية:
- شعبة الأدب القديم (Série L O):
- التخصص: يُركز هذا المسار على التخصص الأدبي البحت والعلوم الإنسانية الكلاسيكية.
- لغة الدراسة: اللغة المعتمدة للتدريس هي اللغة العربية.
- المواد الرئيسية: يدرس الطلاب مقررات عميقة تشمل الدراسات الإسلامية، الفلسفة، المنطق، التاريخ، والجغرافيا.
- شعبة الأدب الحديث (Série LM):
- التخصص: تُعد هذه الشعبة مسارًا أدبيًا مزدوجًا يجمع بين الهوية الأدبية المحلية والحديثة.
- لغة الدراسة: تتميز بالازدواجية اللغوية، حيث تُستخدم كل من العربية والفرنسية في التدريس.
- المواد الرئيسية: تشتمل الدراسة على مزيج من المواد الأدبية والإنسانية مع حضور قوي للغتين.
2. الشعب العلمية:
- شعبة العلوم (Série D):
- التخصص: هو المسار العلمي العام الذي يهدف إلى تأسيس الطلاب في العلوم الأساسية.
- لغة الدراسة: تُدرَّس المقررات العلمية بشكل أساسي باللغة الفرنسية.
- المواد الرئيسية: تشمل هذه الشعبة المقررات العلمية الأساسية مثل الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء، وعلوم الحياة والأرض.
- شعبة الرياضيات:
- التخصص: تُعتبر هذه الشعبة المسار العلمي المتقدم والمكثف، وتستهدف الطلاب المتفوقين في الجانب الرياضي.
- لغة الدراسة: تُدرَّس المقررات باللغة الفرنسية.
- المواد الرئيسية: يدرس الطلاب نفس مقررات شعبة العلوم (D)، ولكن مع فارق جوهري هو إضافة ساعات دراسية إضافية ومكثفة مخصصة لمادة الرياضيات، مما يؤهلهم للتخصصات الهندسية والعلمية العليا.
التطور الإحصائي والبطء في النمو:
على عكس التعليم الابتدائي الذي شهد نموًا أسرع، كان تطور نسب الطلاب الملتحقين بالمدارس الثانوية بطيئًا ومحدودًا:
- نسبة الالتحاق: ارتفعت النسبة من 15.2% في عام 1985، لتصل بالكاد إلى 18.9% في عام 2000. تشير هذه الزيادة البالغة حوالي 3.7 نقطة مئوية خلال خمسة عشر عامًا إلى نمو بطيء في استيعاب هذه المرحلة التعليمية.
- أعداد المؤسسات والمعلمين (عام 1985-1986): كان عدد المدارس الثانوية لا يتجاوز 44 مدرسة فقط. وبلغ عدد الكادر التعليمي في تلك الفترة حوالي 1563 معلمًا ومعلمة، منهم 412 فردًا من غير الموريتانيين، مما يدل على الاعتماد على الخبرات الخارجية لسد النقص في الكفاءات التعليمية.
تحديات وأوجه القصور في التعليم الثانوي:
يواجه التعليم الثانوي في موريتانيا مجموعة من التحديات الهيكلية والتشغيلية التي تعيق جودة العملية التعليمية:
- نقص الموارد التعليمية: هناك قصور واضح في تطوير المناهج القائمة، بالإضافة إلى عدم توفر الكتب المدرسية بأعداد كافية لتغطية احتياجات جميع الطلاب.
- العجز البشري والتأهيل: يعاني النظام من عجز في أعداد المعلمين المؤهلين، كما أن مستوى تأهيلهم بحاجة إلى المزيد من التطوير والارتقاء.
- الإدارة التعليمية والبيئة السياسية: لا تستطيع الإدارة التعليمية أداء الدور الإشرافي والتنظيمي المنوط بها على الوجه الأمثل، ويرجع ذلك جزئيًا إلى حالة عدم الاستقرار السياسي التي تمر بها البلاد وتؤثر سلبًا على استدامة الخطط والقرارات التعليمية.