مكانة العقود العرفية في التشريع الجزائري: دراسة تحليلية للإعفاءات والإجراءات الخاصة بالعقود المبرمة قبل 1 يناير 1971

مكانة العقد العرفي في المعاملات العقارية الجزائرية:

يُعالج هذا الموضوع بالتحليل والتدقيق وضع العقود العرفية التي اكتسبت تاريخًا ثابتًا قبل 1 يناير 1971 في القانون الجزائري، وتحديدًا في مجال المعاملات العقارية. يُعدّ هذا التاريخ فاصلًا زمنيًا هامًا في التشريع الجزائري، حيث ارتبط بصدور قانون التوثيق، مما أحدث تحولًا جذريًا في كيفية التعامل مع هذه العقود وإثبات حجيتها.


الوضع القانوني قبل 1 يناير 1971: مرونة الإثبات وتحدياتها

قبل سريان قانون التوثيق الجديد، كانت المعاملات العقارية تحكمها قواعد تختلف عن المبادئ الحالية. كانت العقود العرفية- وهي العقود التي لا يحررها موثق أو جهة رسمية - تُعتبر وسيلة شائعة لإثبات الملكية أو الحقوق العقارية.

  • مبدأ الإثبات: كانت هذه العقود تُثبت حجيتها بناءً على التاريخ الثابت، أي التاريخ الذي لا يمكن التلاعب به، مثل تاريخ الوفاة، أو تاريخ تسجيل العقد في جهة إدارية، أو أي إشارة رسمية أخرى.
  • الإعفاء من الإشهار: في البداية، ومع صدور المرسوم رقم 80/210، تم إعفاء العقود العرفية التي اكتسبت تاريخًا ثابتًا قبل 1 مارس 1961 من شرط الإشهار المسبق في السجل العقاري. كان هذا الإعفاء يهدف إلى تسوية الأوضاع القانونية للممتلكات العقارية التي كانت محل تعاملات بين الأفراد في تلك الفترة، خاصة في ظل غياب التنظيم الصارم للتوثيق.

كانت المحاكم في تلك الفترة تلعب دورًا محوريًا في إضفاء الشرعية على هذه العقود، حيث كانت تشترط على الأطراف تقديم إشهادات تثبت أن العقار المعني لا يندرج ضمن أملاك الدولة أو صندوق الثورة الزراعية. وقد أدى هذا الإجراء إلى ظهور اجتهادات قضائية متنوعة، بعضها أقرّ بأن العقد العرفي يُنشئ التزامات شخصية بين الأطراف، في حين ذهبت اجتهادات أخرى إلى إعطائه قوة قانونية أكبر.


التحول الجذري بعد 1 يناير 1971: مبدأ الرسمية

مع صدور المرسوم التنفيذي رقم 93/123، تم تمديد فترة الإعفاء إلى 1 يناير 1971. هذا التاريخ لم يكن عشوائيًا، بل تزامن مع تاريخ سريان قانون التوثيق الذي عزز مبدأ الرسمية في العقود العقارية.

أصبح المبدأ الأساسي هو أن أي عقد يتضمن نقل ملكية عقارية أو حقوقًا عينية يجب أن يُحرر في الشكل الرسمي من قبل موثق. ونتيجة لذلك، فقدت العقود العرفية المحررة بعد هذا التاريخ قوتها القانونية في نقل الملكية، واقتصرت على إثبات التزامات شخصية بين الأطراف.

وقد أكد الاجتهاد القضائي الجديد هذا المبدأ بشكل قاطع، حيث صدرت عدة قرارات عن المحكمة العليا تؤكد على بطلان العقود العرفية في مجال المعاملات العقارية، وأنها لا تُعدّ سببًا لنقل الملكية.

  • القرار رقم 156-136 (18/02/1997): نصّ على أن أي بيع أو وعد بالبيع أو تنازل عن عقار يجب إثباته بعقد رسمي، وإلا كان باطلًا.
  • القرار رقم 541-148 (23/05/1997): أكد أن العقود التي يفرض القانون إخضاعها للشكل الرسمي تكون باطلة إذا لم تُحرر بهذا الشكل.

الاستثناء الحالي: العقود العرفية قبل 1971

على الرغم من التشديد على مبدأ الرسمية، إلا أن المشرّع الجزائري أبقى على استثناء خاص بالعقود العرفية التي اكتسبت تاريخًا ثابتًا قبل 1 يناير 1971.

  • طريقة الإثبات: لم تعد هذه العقود تحتاج إلى رفع دعوى قضائية لإثبات حجيتها. بل يكفي أن يقوم أصحابها بالتوجه إلى الموثق لتحرير عقد إيداع، يتضمن تفاصيل العقد الأصلي والتعيين الدقيق للعقار.
  • الإشهار: يتم شهر هذا العقد الجديد (عقد الإيداع) في المحافظة العقارية المختصة. هذا الإجراء يمنح العقد العرفي القديم صفة رسمية ويُسوي وضعه القانوني بشكل نهائي.
  • المبرر القانوني: يرجع سبب هذا الاستثناء إلى أن عملية الإشهار في الفترة التي سبقت عام 1971 كانت اختيارية وليست إجبارية، مما يجعل من غير المنطقي معاقبة الأفراد على عدم قيامهم بإجراء لم يكن إلزاميًا في حينه.

بشكل عام، يمكن القول إن المشرّع الجزائري ميز بين مرحلتين تاريخيتين للعقود العرفية في المعاملات العقارية: فترة ما قبل 1 يناير 1971 التي تتمتع فيها هذه العقود بقوة قانونية استثنائية، وفترة ما بعدها حيث فقدت أي قوة قانونية لنقل الملكية وأصبحت باطلة.

أحدث أقدم

نموذج الاتصال