من عالم البشر إلى عالم الجن: مقام العلم اللدني
تُعد قصة تدريس الولي الصالح الحاج التهامي الأوبيري للجن من الكرامات التي تضعه في مصاف الأولياء الكبار الذين يمتلكون علمًا لدنيًا وهبة إلهية خاصة. في التراث الصوفي، يُعتقد أن بعض الأولياء يصلون إلى مرتبة روحية عالية جدًا تمكنهم من التواصل مع عوالم غير مرئية والتعامل مع مخلوقاتها. تدريس الجن ليس مجرد قدرة عابرة، بل هو دليل على نفوذ روحي عميق، حيث إن الولي لم يكتفِ بالتواصل معهم، بل أصبح معلمًا ومرشدًا لهم، وهذا يتطلب سيطرة روحية مطلقة.
هذه القصة لا تُظهر فقط قوة الولي، بل تشير أيضًا إلى أن العلم الذي كان يدرسه كان ذا طبيعة خاصة ومقدسة، بحيث كان مصدر جذب ليس للبشر فقط، بل حتى للجن.
زاوية الحاج التهامي: ليست مجرد مكانٍ للعبادة
عندما يزور أحدٌ زاوية الحاج التهامي في منطقة الشماعية، فإنه لا يرى مجرد مبنى، بل يكتشف تاريخًا روحيًا حافلًا. الشرح الذي يُقدم للزوار عن تاريخ الزاوية وعن الطلبة الذين تخرجوا منها يعزز فكرة أن الزاوية كانت منارةً للعلم والتربية الروحية، وليس فقط مكانًا للصلاة. وقد وصل تأثيرها إلى مناطق شاسعة من المغرب، حيث تخرج منها علماء وأئمة نشروا العلم والمعرفة.
لكن ما يجعل الزاوية فريدة هو وجود تلك الغرفة المغلقة بشباك حديدي. هذا التفصيل ليس مجرد إضافة عابرة، بل هو عنصر رمزي مهم:
- الغموض والرهبة: الشباك الحديدي يضفي على الغرفة جوًا من الغموض والرهبة، ويجعل الزائر يتخيل ما كان يحدث بداخلها من أمور غيبية لا يمكن للعقل البشري استيعابها بسهولة.
- القدسية: الغرفة تُعامل كمعلمٍ مقدسٍ، يُفصل عن باقي أجزاء الزاوية، مما يؤكد على أن النشاط الذي كان يتم فيها (تدريس الجن) هو أمرٌ استثنائي وخارق.
- الاعتراف بالكرامة: وجود هذه الغرفة والقصة المرتبطة بها يُعد بمثابة اعتراف من القائمين على الزاوية بأن هذه الكرامة حقيقة وواقعة لا جدال فيها، ويتم الاحتفاء بها كجزء من تاريخ الولي وسبب شهرته.
سياق القصة ودلالاتها
قصة تدريس الجن تُعد جزءًا من النسيج الثقافي الذي يروي كرامات الأولياء الصالحين، والتي كانت تُستخدم لتعزيز إيمان الناس وتثبيت مكانة الولي في الذاكرة الجمعية. هذه القصص تهدف إلى:
- تأكيد القوة الروحية: إظهار أن الأولياء يمتلكون قدرات تتجاوز حدود المنطق المادي.
- الإلهام: تشجيع الناس على طلب العلم واتباع طريق الصلاح، حيث يمكن للإنسان أن يصل بفضل إيمانه إلى مراتب عالية.
- بناء الهوية: تساهم هذه القصص في بناء الهوية الروحية للمجتمع، وتجعل من الأولياء رموزًا للقداسة والحكمة.
بهذا التوسع، نرى أن قصة تدريس الحاج التهامي الأوبيري للجن هي أكثر من مجرد حكاية غريبة؛ إنها جزء من تراث ثقافي عميق يعكس إيمانًا راسخًا بوجود قوى تتجاوز ما هو مرئي، وبقدرة الروح على السيطرة على العوالم الأخرى.