من غرائب الحاج التهامي الأوبيري:
تُعد قصة الولي الصالح الحاج التهامي الأوبيري مع المرأة التي سُرق ابنها من قبل الجن من أبرز الكرامات التي تُظهر نفوذه الروحي الواسع، وقدرته على التدخل في عوالم غيبية لا يمكن للبشر العاديين الوصول إليها. هذه الحكاية ليست مجرد قصة عابرة، بل هي رمزٌ عميقٌ للعلاقة بين الولي، وعالم ما وراء الطبيعة، والبشر.
استغاثة الأم: من اليأس إلى الأمل
في عالمٍ كان فيه الإيمان بالغيب جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية، لم تكن حادثة اختفاء طفلٍ على يد الجن أمرًا مستبعدًا تمامًا. المرأة التي لجأت إلى الحاج التهامي لم تجده عالمًا فقط، بل وجدته ملاذًا روحيًا، قادرًا على حل مشكلةٍ تفوق قدرات البشر.
إن قرارها باللجوء إليه يُظهر إيمانها المطلق بكراماته، بينما طمأنة الولي لها وتحديد موعد ومكان عودة ابنها يُظهر ثقته التي لا تتزعزع بقوته الروحية. هذا الفعل ليس مجرد وعدٍ، بل هو إعلانٌ للسيطرة على حدثٍ غيبي، وهو ما يميز الأولياء الصالحين عن غيرهم.
لقاء العوالم: مشهدٌ خارق للطبيعة
لحظة عودة الابن هي ذروة القصة، وهي مليئة بالرموز والدلالات:
- الخيول البيضاء: في التراث الشعبي، غالبًا ما ترمز الخيول البيضاء إلى النقاء والقدسية، وغالبًا ما تُستخدم في وصف مخلوقاتٍ من عوالم أخرى أو قوى علوية. ظهور الجن بهذا الشكل يُضفي على المشهد هالةً من الوقار والاحترام، ويُظهر أنهم ليسوا مجرد مخلوقاتٍ شريرة، بل قوى لها نظامها وقيادتها.
- زعيم الجن: وجود زعيم يقود المجموعة ويحمل الطفل بنفسه يُشير إلى أن الولي الحاج التهامي لم يتواصل مع جنيٍ عاديٍ، بل مع زعيمٍ له نفوذ في عالمه. هذا يُعزز فكرة أن نفوذ الولي كان كبيرًا لدرجة أنه أجبر زعماء الجن على الانصياع لأوامره.
الرسالة الغامضة: "خفف علينا"
هذه الجملة القصيرة تحمل أعمق معاني القصة. إنها ليست طلبًا عابرًا، بل هي صرخةُ استغاثةٍ واعترافٍ بالإذعان:
- اعتراف بالقوة: رسالة "خفف علينا" هي اعتراف صريح من زعيم الجن بقوة الولي. إنها تُشير إلى أن الحاج التهامي لم يطلب إعادة الطفل فحسب، بل مارس ضغطًا روحيًا شديدًا على الجن، ربما من خلال دعاءٍ أو أمرٍ إلهيٍ، مما جعلهم يُحسون بثقل هذه القوة ويطلبون التخفيف.
- الخضوع: الجن، رغم قوتهم، خضعوا لقوةٍ روحيةٍ أعلى. هذا المشهد يُعزز الفكرة التي تقول إن الأولياء الصالحين لا يتواصلون مع الجن فقط، بل يسيطرون عليهم ويُخضعونهم لإرادتهم، مما يجعلهم وسيلة لتحقيق الخير وإغاثة الملهوف.
دلالات القصة في السياق الأوسع
تُعد هذه القصة جزءًا من النسيج الثقافي الذي يحيط بشخصية الحاج التهامي الأوبيري. وهي تُعزز مكانته كوليٍ صالحٍ ليس فقط له كرامات، بل له أيضًا دورٌ في حماية الناس من القوى الغيبية الشريرة، وهو ما يُعتبر من أعلى درجات الولاية في المعتقد الشعبي.