الحجز التحفظي في القانون المغربي: بين حماية الدائن ومبدأ عدم التعسف في استعمال الحق
تناول القرار القضائي المذكور أحد أهم جوانب الحجز التحفظي في القانون المغربي: التوازن الدقيق بين حماية حقوق الدائن ومنع أي تعسف في استعمال الحق من جانبه. يوضح هذا الحكم متى يمكن للمحكمة التدخل لرفع حجز تحفظي إذا تبين أن الدائن يمتلك بالفعل ضمانات كافية لدينه، مما يلغي مبرر الإجراء التحفظي الإضافي.
المنطوق القضائي: رفع الحجز والتشطيب الفوري
قضت المحكمة برفع الحجز التحفظي الذي كان قد أوقع على العقار المعروف باسم "نجاة"، المسجل بالرسم العقاري رقم 13086/07. هذا الحجز، الذي كان يحمل رقم 1252/4/06 وتاريخ 15 مايو 2006، كان قد فرض لضمان مبلغ 4,285,021.08 درهم.
لم يتوقف الأمر عند الرفع فحسب، بل شمل أيضًا أمرًا صريحًا وموجهًا إلى المحافظ على الأملاك العقارية بزواغة مولاي يعقوب بالتشطيب الفوري على هذا الحجز من السجل العقاري للعقار المذكور. وتأكيدًا على أهمية القرار وسرعة تنفيذه، شمل المنطوق القضائي هذا الأمر بالتنفيذ المعجل. كما قضت المحكمة بتحميل المدعى عليه (الطرف الذي أقام الحجز ورفض رفعه) مصاريف الدعوى.
القاعدة القانونية: متى يصبح الحجز التعسفي مرفوعًا؟
تؤكد هذه القضية قاعدة قانونية أساسية في الإجراءات المدنية بالمغرب:
إن كان الهدف الجوهري من الحجز التحفظي هو حماية الدائن وتمكينه من استيفاء دينه في مواجهة مدينه، خاصة عند وجود مخاوف جدية من إعسار المدين أو تهريب أمواله، فإن ممارسة هذا الحق ليست مطلقة. بل هي مشروطة بعدم التعسف في استعماله.
تطبيقًا لهذه القاعدة، إذا تبين أن الدائن يتوفر على ضمانات عينية كافية (مثل رهون رسمية أو رهون حيازية مسجلة) على عقارات أو أموال أخرى للمدين، وكانت هذه الضمانات تغطي الدين المستحق بالكامل، فإن لجوء الدائن إلى فرض حجز تحفظي جديد على عقارات أخرى للمدين يعتبر تعسفًا في استعمال الحق. في هذه الحالة، يمتلك قاضي الأمور المستعجلة (قاضي المستعجلات) السلطة لرفع هذا الحجز، معتبرًا أن الطعن أو الاستئناف المقدم ضد قرار الرفع غير مؤسس، لعدم وجود مبرر قانوني أو واقعي للحجز الإضافي.
التعليل القضائي: الضمانات الكافية كقرينة على التعسف
لجأ الطاعن (الطرف الذي أوقع الحجز التحفظي ويرغب في الإبقاء عليه) إلى استئناف قرار رفع الحجز، مبررًا موقفه بأن الحجز التحفظي هو مجرد إجراء وقائي لضمان حقه.
غير أن المحكمة، وبعد التدقيق في حيثيات الدعوى والأدلة المقدمة، وتحديدًا الأمر رقم 1252/4/2006 الذي أوقع الحجز التحفظي على الملك "نجاة" لضمان الدين، خلصت إلى ما يلي:
- غاية الحجز التحفظي: أكدت المحكمة أن الغاية من الحجز التحفظي هي فعلاً حماية الدائن من خطر إعسار المدين.
- وجود ضمانات سابقة وكافية: إلا أنه تبين أن الدائن الحاجز (الطاعن) لم يكن بلا ضمانات. بل كان دائنًا مرتهنًا على عقارين آخرين للمحجوز عليه (المدين)، وهما يحملان الرسمين العقاريين رقم 12717/ف و 12714/ف. هذا ما ثبت بشكل قاطع من خلال شهادات المحافظة العقارية والبروتوكول الذي قدمه الطاعن بنفسه.
- تغطية الدين بالكامل: الأهم من ذلك، أن قيمة هذه الضمانات الرهنية كانت كافية بشكل واضح وكامل لتغطية الدين المستحق البالغ 4,285,021.08 درهم.
- التعسف في الإجراء: بناءً على توفر هذه الضمانات العينية الكافية والسابقة، اعتبرت المحكمة أن لجوء الدائن إلى مسطرة الحجز التحفظي على عقار إضافي (الملك نجاة) كان من قبيل التعسف في استعمال الحق. فالحجز الإضافي على هذا العقار أصبح غير مبرر ما دام الدين مضمونًا بالكامل بضمانات أخرى.
لهذه الأسباب، أيدت المحكمة الأمر المستأنف الذي قضى برفع الحجز التحفظي، معتبرة إياه قرارًا صائبًا وموافقًا للقانون. ونتيجة لذلك، تم تحميل المستأنف (الطاعن) جميع مصاريف الدعوى.
انعكاسات القرار وتأصيل مبدأ عدم التعسف
هذا القرار يؤكد على مبدأ أساسي في النظام القانوني المغربي، وهو أن الحقوق، حتى تلك التي تهدف إلى حماية مصالح الأفراد، يجب أن تمارس بحسن نية ودون إضرار متعسف بالآخرين. في سياق الحجز التحفظي، هذا يعني:
- ليس كل دين مبررًا لحجز تحفظي: يجب أن يكون هناك خوف حقيقي ومشروع من ضياع الدين أو إعسار المدين.
- الضمانات الموجودة تؤخذ بعين الاعتبار: لا يجوز للدائن أن يرهق المدين بإجراءات تحفظية إضافية إذا كان دينه مضمونًا بشكل كافٍ بوسائل أخرى.
- دور قاضي الأمور المستعجلة: يبرز دور قاضي الأمور المستعجلة كضمانة لحماية الأطراف من أي تجاوزات أو تعسف في استعمال الحقوق، عبر موازنته بين مصلحة الدائن ومشروعية الإجراءات المتخذة.
ليست هناك تعليقات