الالتزامات المالية للشفيع في القانون: دراسة مفصلة لمفهوم "المصاريف اللازمة للعقد" وآليات إثباتها والطعن في مبالغ السمسرة ورسوم التسجيل

مصروفات عقد الشفعة:

تفرض ممارسة حق الشفعة على الشفيع التزاماً مالياً شاملاً لا يقتصر على أداء الثمن الحقيقي للعقار فحسب، بل يمتد ليشمل جميع المصاريف الضرورية التي تكبدها المشتري لإبرام العقد وتسجيله، مثل رسوم التوثيق والتحفيظ وأجور السمسرة المدفوعة فعلياً. وتؤدى المصاريف الظاهرة والثابتة في العقد مع الثمن فوراً، بينما يجوز للشفيع تأجيل المصاريف غير الثابتة حتى إثباتها من قبل المشتري أمام القضاء. ويحق للشفيع الاعتراض على أي مبالغ يرى فيها غشاً أو مخالفة للنظام العام، مع التزامه بدفع أي نفقات عادت عليه بالنفع منعاً للإثراء بلا سبب.

أولاً: نطاق الالتزام المالي للشفيع (الثمن والملحقات)

لا يقتصر التزام الشفيع عند ممارسته لحق الشفعة على أداء ثمن العقار فحسب، بل يمتد هذا الالتزام ليشمل "ملحقات الثمن"، وهي كافة المصاريف الضرورية التي تكبدها المشتري الأصلي لإتمام الصفقة. ويهدف هذا المبدأ إلى تعويض المشتري تعويضاً كاملاً، بحيث لا يلحقه ضرر مالي من جراء نزع الملكية منه بالشفعة.

1. المصاريف اللازمة للعقد:

تشمل هذه الفئة كل النفقات التي كان لزاماً على المشتري دفعها لإبرام العقد وتوثيقه، وتتضمن:

  • رسوم التوثيق والتحرير: وتشمل أتعاب الموثق (العدل أو الموثق العصري) أو محرر العقد.
  • نفقات الترجمة: إذا استدعى العقد ترجمة وثائق رسمية.
  • الرسوم الجبائية والإدارية: وتتمثل في قيمة الطوابع البريدية والجبائية، ورسوم التسجيل الواجبة لوزارة المالية (الضرائب)، ورسوم التحفيظ العقاري المستحقة للمحافظة العقارية.

2. أجور الوساطة (السمسرة):

تندرج أتعاب الوكيل أو السمسار ضمن المصاريف المستردة، ولكن يشترط فيها أن يكون المشتري قد أداها فعلياً وحقاً. فهي ليست مستحقة بمجرد الاتفاق عليها، بل بواقعة سدادها.


ثانياً: قواعد إثبات المصاريف وتوقيت أدائها

يخضع أداء هذه المصاريف لقواعد محددة تفرق بين ما هو ثابت ومعلوم، وبين ما يحتاج إلى إثبات:

  • المصاريف الظاهرة والثابتة: وهي المصاريف المدونة صراحة في العقد أو المحددة بموجب نصوص قانونية (كرسوم التسجيل). هذه النفقات يجب على الشفيع أداؤها وإيداعها فوراً مقترنة مع الثمن الحقيقي للعقار.
  • المصاريف غير الظاهرة: وهي النفقات التي يدعي المشتري صرفها دون أن تكون مدونة في العقد (مثل مصاريف جانبية غير موثقة). في هذه الحالة، يقع عبء الإثبات على المشتري، ولا يلزم الشفيع بدفعها إلا بعد تقديم المشتري الدليل القاطع عليها.

ثالثاً: المقارنة التشريعية (القانون المدني المصري)

تبرز أهمية توقيت أداء المصاريف عند مقارنة النظام القانوني (محل النص) بالقانون المدني المصري:

  • الموقف العام (النص الحالي): يربط بين إيداع الثمن وإيداع المصاريف اللازمة الثابتة في العقد أو القانون؛ حيث يعتبر عدم إيداعها قد يؤثر على إجراءات الشفعة.
  • موقف القانون المصري (المادة 942): تبنى المشرع المصري موقفاً مغايراً تيسيراً على الشفيع؛ حيث:

  1. ألزم الشفيع بإيداع كامل الثمن الحقيقي فقط كدليل على جدية طلب الشفعة.
  2. لم يشترط إيداع ملحقات الثمن (المصاريف) مع الثمن نفسه.
  3. لا يترتب على عدم إيداع المصاريف سقوط حق الشفيع في الأخذ بالشفعة، وذلك لتقليل العوائق المالية الإجرائية أمام الشفيع في بداية الدعوى.


رابعاً: المنازعات المتعلقة بالمصاريف (الطعن والتأجيل)

منح القانون للشفيع ضمانات تحميه من التواطؤ أو المبالغة في تقدير النفقات، وذلك وفق التفصيل الآتي:

1. تأجيل المصاريف غير الثابتة:

إذا كانت المصاريف غير مدونة بالعقد، يحق للشفيع تأجيل سدادها إلى حين البت فيها من قبل المحكمة المختصة. ولا يعتبر تأخره في دفع هذه المصاريف المحددة (خارج الأجل القانوني للشفعة) مبطلاً لحقه، طالما أن الثمن والمصاريف الظاهرة قد أودعت.

2. حق الاعتراض والطعن:

يجوز للشفيع الامتناع عن أداء بعض المصاريف والاعتراض عليها إذا شابها غش أو مخالفة للنظام العام، مثل:

  • فحش المبلغ: إذا كانت قيمة السمسرة مبالغاً فيها بشكل لا يتناسب مع العرف التجاري.
  • انتفاء الخدمة: إذا ثبت أن السمسار لم يقم بأي وساطة حقيقية لصالح المشتري.
  • مخالفة العرف: إذا كان المبلغ المطلوب لا يستند إلى عرف أو عادة جارية في المعاملات العقارية.

3. استثناء (قاعدة الإثراء بلا سبب):

على الرغم من حق الشفيع في الاعتراض، إلا أن هناك استثناءً مهماً يستند إلى قاعدة "منع الإثراء على حساب الغير". فإذا تبين أن المصروفات التي أنفقها المشتري (حتى لو كانت محل نزاع) قد وُضعت في أمر يعود بالنفع المباشر على الشفيع أو العقار، فإنها تحسب عليه ويلزم بأدائها، لضمان العدالة وعدم إثراء ذمة الشفيع على حساب ذمة المشتري.


خامساً: حدود الالتزام برسوم التسجيل

أخيراً، يضع النص قيداً مهماً على التزام الشفيع برسوم التسجيل، وهو الارتباط بالثمن الحقيقي.

  • إذا تم دفع رسوم تسجيل عن مبلغ زائد عن الثمن الحقيقي (لأي سبب كان)، فإن الشفيع غير ملزم بتعويض المشتري عن هذه الزيادة.
  • يلتزم الشفيع فقط برد الرسوم التي تخص الثمن الحقيقي للعقار.

الخلاصة الإجرائية للشفيع: يكفي للشفيع لضمان سلامة موقفه القانوني أن يودع المصاريف الظاهرة والمعروفة (الرسمية) في صندوق المحكمة، مع التصريح في مقاله أو طلبه باستعداده التام لأداء أي مبالغ إضافية أخرى فور إقامة المشتري الدليل القانوني عليها.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال