أبو جعفر أحمدبن يحيى بن جابر البلاذري البغدادي: من النسّابين والمترجمين والشعراء، وعالم جغرافيا، ومؤرّخ إسلامي كبير، كان مشايخه من مدارس العراق وفارس والمدينة والشام.
وكتاب أنساب الأشراف مصدر قيّم في باب النسب، ويحتوي على أنساب قريش وقبائل مضر وتاريخ الإسلام وتاريخ إسلام قبائل مضر. وذكر في هذا الكتاب رواته ومشايخه المشهورين، وهم: محمد بن سعد الكاتب، وعباس بن هشام الكلبي، وهشام بن عمار الدمشقي، وعمرو بن محمدالناقد, وأبوعبيد قاسم بن سلّام، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وعبدالله بن صالح العجلي، وزبير بن بكّار بن هيثم، وحسين بن علي بن أسود، وأبو خَيْثُمة زُهير بن حرب.
لقد دُوّنت مطالب هذا الكتاب حسب الأُسر المؤثّرة والحاكمة في تاريخ الإسلام، وبيان اُصولهم مع شرح تاريخ كبار الشخصيات المعروفة. وبعد أن يذكر نسب بني هاشم يشير إلى حياة وسيرة الرسول’ في زمن الصغر والبعثة والهجرة حتى رحلته، وحادثة السقيفة؛ وبعد ذلك يذكر تاريخ أبناء أبي طالب مع الشرح المفصّل في باب فضائل وتاريخ خلافة أميرالمؤمنين علي (ض) حتى شهادته، ثم يذكرحياة وخلافة الحسن بن علي (ض) وأبنائه، وتاريخ ثورة الحسين× وحياة أبنائه.
القسم الآخر من الكتاب اختصّ في عهد كامل عن تاريخ بني اُمية، ويشمل عثمان ومعاوية ويزيد, والقسم الآخرمن كتاب أنساب الأشراف يبحث بخصوص عباس بن عبدالمطلب وأبنائه وتاريخ العباسيين حتى زمن هارون الرشيد, وفي نهاية هذا القسم أيضاً كتب فصلاً بخصوص بنات عبد المطّلب.
ويذكر البلاذري في قسم آخر في خصوص بقية أقسام قريش، ثم قبائل مضر الاُخرى مثل: كنانة وهُذيل وبني تَميم وقيس بن عَيلان وبني سليم وثقيف. والنتيجة هي: أنّ أكثر مطالب الكتاب اختصّت في بني هاشم وبني اُمية.
وأمّا طريقة البلاذري في كتابة التاريخ في أنساب الأشراف هي ذكر تاريخ الخبر وجمع الروايات القصار والطوال حتى وإن كانت متعددة، مع ذكر سند الحديث بخصوص موضوعات الكتاب, وكثير من الروايات لا يذكر سندها، بل يذكر كلمة «قالوا»، والبعض بدون ذكر أي سند، ومجموعة اُخرى من الروايات ينقلها من كتابات المؤرّخين والأخباريين، حيث إنّه بدل كلمة «حدّثني» يذكر كلمة «قال» ويذكر اسم المصدر والسند.
ومن المؤرّخين الذين استفاد من مصادرهم: الواقدي وأبومخنف والمدائني وهيثم بن عدي ومحمد بن إسحاق. وقام بجمع الروايات باُسلوب النقد، وينقل روايات متعددة في موضوع واحد، ولكنّ القيمة في عمله أنّه يبيّن الرواية الصحيحة في رأيه ويردّ الروايات الاُخرى بالدليل المحكم والموثق، كهذه التي ردها، وهي: أنّ قيس بن سعد بن عبادة أتى مع الإمام الحسن بن علي (ض) إلى الكوفة لإعداد الكوفيّين لحرب الجمل! فردّها لأنّ قيس في ذلك الوقت كان في مصر.
ولقد استفدنا في هذا البحث من كتاب أنساب الأشراف وفي البحوث المرتبطة بالإسلام في اليمن إبّان خلافة عثمان وزمن خلافة أميرالمؤمنين علي (ض) وثورات الشيعة، مثل حجر بن عدي والتوّابين والمختار، وقد ذكر البلاذري هذه الثورات بنمط واحد، واتّضح لنا ذلك من خلال مواضيعه عن دور القوات اليمنية.
ويعتبر هذا الكتاب المصدر المهم للإنشاءات العسكرية في دولة الإمام علي (ض)، وعن خطبه ورسائله، وكذلك ذكر بصورة كاملة عن التقسيم السباعي لقبائل الكوفة، وذكر البلاذري الشواهد الشعرية الكثيرة في توضيح القصص.
وتعتبر نظرية البلاذري أكثر اِعتدالاً بالنسبة لاُستاذه ابن سعد ويتوضّح هذا الافتراق من بيان قصة فدك في فتوح البلدان، ونقل حادثة غدير خم، وقصة اجتماع السقيفة، حيث نقل آراء الموالين للخليفة، وذكر إبعاد ونبذ أبي ذرًّ, وضرب عمار بأمرِ عثمان، ونهضة حجر بن عدي، والتعاطف مع ثورة الحسين(ض)، وثورة زيد بن علي (ض) وحركة ذي النفس الزكية. ويسبّب الاختصار في نقله هذا الإبهام في بيان هذه القصص، كما يلاحظ ذلك في موضوع التوّابين. ونقله روايات قصيرة في مختلف الموضوعات والوقائع يؤدّي إلى عدم ترتيب الأحداث، وكذلك نقل روايات متعددة بخصوص الأحداث وردّها أو تأييدها يؤدي إلى التشويش عند القارئ.