أحكام الوصية في الشريعة والقانون: الشكل، الإثبات، والحدود
يهدف هذا النص إلى تفصيل وتوضيح الأحكام الشرعية والقانونية المتعلقة بإنشاء الوصية، وإثباتها، والقيود المفروضة على نفاذها.
أولاً: الأصول الشرعية للوصية وحدودها
من الناحية الشرعية، تتميز الوصية بمرونة كبيرة فيما يخص الشكل والصيغة.
- عدم اشتراط شكل خاص: لا تشترط الشريعة الإسلامية شكلاً معيناً أو نموذجاً محدداً للوصية. هذا يعني أنها لا تُلزم بصيغة خطية، أو شفهية، أو بوجود شهود في كل الأحوال، مما يتيح للموصي (صاحب الوصية) حرية أكبر في التعبير عن إرادته الأخيرة.
- مرونة وسائل الإثبات: نظراً لمرونة شكلها، يجوز إثبات الوصية بجميع وسائل الإثبات المتاحة شرعاً. يمكن أن يشمل ذلك البينة (الشهود)، أو الكتابة، أو أي قرائن قوية تدل دلالة واضحة على إرادة الموصي الحقيقية بترك شيء معين لشخص معين بعد وفاته.
- القيود الشرعية (قاعدة الثلث): على الرغم من مرونة الشكل والإثبات، تفرض الشريعة قيداً جوهرياً على نفاذ الوصية. يُشترط لصحة الوصية وعدم توقفها على إجازة الورثة أن تكون في حدود ثلث (1/3) التركة فقط. هذا القيد يهدف لحماية حقوق الورثة وعدم الإجحاف بحصصهم المشروعة. إذا تجاوزت الوصية الثلث، فإن الزيادة تتوقف على موافقة الورثة البالغين بعد وفاة الموصي.
ثانياً: الإجراءات القانونية لإثبات الوصية وطرق تقييدها
على صعيد القانون والتنظيم القضائي، تضع التشريعات قواعد أكثر صرامة لضمان صحة الوصية وتوثيقها، لا سيما في سياق التعاملات الرسمية والمحاكم.
- الطريق القانوني للإثبات بالتوثيق الرسمي: يثبت القانون الوصية عبر إجرائية رسمية وواضحة، وهي تصريح الموصي أمام الموثق (العدل أو الموثق الرسمي). يجب على الموثق تحرير عقد رسمي بذلك يوثق فيه إرادة الموصي تفصيلاً، مما يوفر حماية قانونية أكبر للوصية ويجعلها حجة قاطعة أمام الجهات الرسمية.
- حالة وجود مانع (الإثبات القضائي): في بعض الحالات الاستثنائية التي قد تحول دون قيام الموصي بالتصريح أمام الموثق بشكل مباشر (كوجود عائق صحي أو ظرف قاهر)، فإن القانون يفتح المجال لإثبات الوصية بحكم قضائي. يصدر القاضي حكماً يثبت به صحة الوصية، ويتطلب هذا الإجراء عادةً أدلة قوية وقرائن دامغة تثبت إرادة الموصي.
- إجراءات التقييد الرسمي: لضمان نفاذ الوصية بشكل كامل ومعرفة الغير بها، خاصة إذا كانت تتعلق بعقار، يُشترط التأشير بالحكم أو العقد على هامش أصل الملكية. هذا الإجراء بمثابة إشهار رسمي يربط الوصية بالملكية الموصى بها، ويضمن تطبيقها في سجلات الدولة العقارية.
ثالثاً: موقف القضاء من الوصية الشفوية غير الموثقة
بناءً على التقييد القانوني الواجب التوثيق، فإن القضاء يأخذ موقفاً حازماً تجاه الوصايا التي لم تستكمل الشروط القانونية للإثبات:
- تطبيق صحيح القانون: إن قضاة المجلس الأعلى (محكمة النقض أو التمييز) عندما يستبعدون الوصية التي لم يتم التصريح بها أمام الموثق (أي الوصية الشفوية التي لم يتم توثيقها رسمياً)، فإنهم يطبقون صحيح القانون.
- الخلاصة القضائية: هذا الاستبعاد يرتكز على أن الإثبات القانوني للوصية يتطلب التوثيق الرسمي أو الحكم القضائي في حالة الموانع. لذلك، فإن الوصية الشفوية التي تفتقر إلى هذا التصريح الرسمي تُعتبر غير مستوفية للشروط الإجرائية القانونية لنفاذها، حتى لو كانت أصلها جائزاً في الشريعة، لأن القانون ينظم شروط الإثبات والنفاذ أمام المحاكم.