الدين في شبه الجزيرة العربية.. انتشار القبائل من أبناء جديس وطسم وأبناء عاد في اليمامة والأحقاف والحجر ووادي القرى في ما بين الحجاز والشام

إنّ للدين تاريخًا بدأ على هذه الناحية من الدنيا مذ بدأ العقل الإنساني يحفر  بين تهم تهامة وأنجاد نجد وسهوب الجنوب وسهول الشمال خطاه متمثلاً بالعنصر العائد بأصله إلى سام بن نوح، والعائد بسكنه شبه الجزيرة إلى آباء قبليين دفعهم إلى هذه الفدافد والفيافى للفرات في "جنّات عدن" هدير "الطوفان"( ) ونشرهم مرور الزمن على هذه الأرجاء قبائل تجمع العمائر، وعمائر تجمع البطون، وبطونًا تجمع الأفخاذ، وأفخاذًا تجمع الفصائل، فعلى صفحة "اليمامة" انتشرت القبائل من أبناء جديس وطسم وفى "الأحقاف" سكنت القبيلة التى تفرعت من أبناء عاد وفي "الحجر" و "وادى القرى"، فيما بين الحجاز والشام، ترابطت الفروع التى انحدرت من أبناء ثمود، وأما فى الشمال الغربى، بين تهامة ونجد، فمرحت فى استعلاء قبائل تعود بأبوتها إلى مالق بن لاوذ وهم من نعرفهم فى سجلات التاريخ القديم بالعمالقة غداة أضيفت كلمة "عم" العـبرية وهى تؤدى معنى أمة إلى أبناء مالق، بينما راحت قبائل أخرى من نفس العنصر تذرع البوادى وتجوب السباسب من جنبات هذه الرمال وكل منها تحمل اسم أبيها القبلى وتضفى بدورها اسم هذا الأب على ما قد اختارته من مكان فى فسحات هذه الأرجاء.. ومن هؤلاء كان أبناء عبيل وكانت ديارهم "بالجحفة" بين مكة ويثرب، كما أن من هؤلاء أيضاً كان أبناء أميم ومدين وثابر وجاسم وحضوراء وحضرموت. 
ولكنْ! يد الزمن التي امتدت، والتاريخ ليلاً، فدفعـت من وادى الرافدَين هؤلاء الآباء القبليَين وعلي هذه الأرجاء، نشرت منهم هذه الفروع إنَما كانت كأنَها قد اختطَت خطة وحدَدت هدفًا وكأنّما في مخيلة الزمن كانت حاضرة وبدقة مرسومة أحداث الآتي! فهي بينما كانت تنشر وتطوي هذه القبائل، ليعرفهم التاريخ من بعد " بالعـرب البائدة " كانت تلقي بهم فى تربة الآتى بذور "العرب الباقية " من "عرب عاربة" و "عرب مستعـربة" مختارة، من بين كل هؤلاء الآباء القبليين العائدين بنسبهم إلى سام بن نوح، قحطان بن عابر، وعابر هو هود بن شالح بن ارفخذ بن سام بن نوح، فليس إلا من قحطان قد انداح الليل عن هذه الناحية من الدنيا غـداة أشراق التاريخ بابنيه:
يَعـرب ... مؤسّس مملكة اليمن، حيث سطعت على الدنيا حضارة بعد حضارة توالت وولت بتوالى الدولة المعـينية فالسبائية فالحميرية، ومن أضفى اسمه على شبه الجزيرة فأصبحت تٌعـرف ببلاد العـرب.
وجُـرهم مؤسّس مملكة الحجاز حيث فى هذا الوادى المحجوز بجبال خندمة شرقًا والمعـلَّى شمالاً والحجون غـربًا ومنحنيات أبى قبيس جنوبًا، أسّس ملكاً حجبته العمالقة بظلالها لفترة انتهت برواحهم عن هذا وانتشارهم فى أرجاء الشرق القديم، فمنهم كان "الجبابرة" فى الشام المعروفين باسم الكنعانيين، ومنهم كان الملوك الرعاة الذين عرفناهم فى التاريخ المصرى القديم باسم "الهكسوس"، هذا بينما راحت يد الزمن تدفع مرة أخرى جُـرهم أو هذه القبيلة القحطانية التى ما لبثت أن هبت ومن جديد احتلت هذا الوادى، ومن ثم كان التفريق التاريخى بين جُـرهم الأولى وجُرهم هذه الآخرة التى نعرفها فى التاريخ السياسى العربى القديم بجُـرهم الثانية.
وبجُـرهم عَمَر من أودية شبه الجزيرة هذا الوادى الحاجز بين تهامة ونجد، والحائل بين اليمن والعروض فصيغت بهذه القبيلة القحطانية حلقة وصلت الشام بالمحيط الهندى عن طريق سلسلة من القوافل التجارية، فالمركز الجغرافى للوادى قد جعل منه، منذ حلكة التاريخ، طريقاً مطروقاً للتجارة، لأنه لما كانت القوافل فى تسيارها بالقادمين من اليمن على فلسطين، وبالمصادرين من فلسطين إلى حضرموت تسير فى محاذاة البحر الأحمر متجنبة هضبات نجد ولوافح هجيرها تجنبها لصخور الشاطئ ووعورة مسلكه كان الوادى – بما كان يتخلله من الآبار، وبما كانت متفجرة فيه من العيون – المهبط الطبيعى الذى اجتذب إليه هذه القوافل التى اتخذته بادئاً ذى بدء للراحة مناخاً، ثم سوقاً للتجارة يقع فيه التبادل بين الصاعدين من الجنوب والمنحدرين من الشمال. 
الشأن كان شأن هذا الوادى فى العهد الجرهمى الآخر.. العهد الذى لا نسلط عليه للتاريخ الدينى أضواء إلا وعلى هدى "القلم المسند" والنقوش البابلية فى الألف الثالث ق.م التى ذكرت الدولة المعـينية، نرى رشاشاً قد أصاب هذه القبيلة القحطانية من طوفان ذلك الارتحال "العراقى – السورى" الذى اشتد إبان النهضة السامرية بين الرافدين وفى أعقابها وبالتحديد فى غضون القرن التاسع عشر ق.م.. فنحن لا نُسلط الأضواء على هذه القبيلة القحطانية التى اتخذت من هذا الوادى القائم فى ملتقى طرق القوافل التجارية المتلاقية من الشمال والجنوب مسكنًا إلاّ وتناولنا يد الزمن سجِّلات محفوفة بالقدسيّة وعليها جليًا نرى أنّ بين هذه القبيلة قد هبط إبراهيم بإسماعيل وله من العمر ثلاثة عشر عامًا مُقبلاً به من تلك البقاع التى إليها كان قد نزح فى أعقاب النهضة السامرية وعهد "أورنامو( )" غداة ترك إبراهيم "أور" وطنًا وإلى تلك الأرض التى بلغ فيها منشود الثراء المادى وأصبح مرهوب الجانب ومخطوب الودِّ بين الآباء القبليين ارتحل، فليس إلا على هذه السجلات المغلفة بالقدسية نرى أن لهذا الوادى قد اختار إبراهيم ليقيم لإسماعيل ملكاً وضع منه الأساس فقد قام فيما بعد عقد هذه الرابطة بفترة من الزمن سجلتها تلك اللحظة التى وقف فيها إبراهيم على أنقاض معالم قديمة لمعبد عتيق( ) يرسل الصوت فى الأرجاء الجرهمية ليروح بينها أصداء تدوى بأن إليه قد صدر الأمر الإلهى ليقيم للإله بيتًا.. ومن ثم كان قيام هذا "البيت" الذى حتمت لغة بانيه أن يطلق عليه اسمًا بابليًا – ولما كانت الكلمة البابلية للبيت هى "مكة " فقد عرف الوادى نسبة إلى "البيت" بالاسم البابلى للبيت – الذى بنشأته كبيت قدسي بدأت من حوله تقترب الفلول الجرهمية لتستقر بجانبه به متبركة ولتبدأ فى تاريخ المدن مدينة تحمل اسم...
أحدث أقدم

نموذج الاتصال