الدين الحنيف.. بنى "شيث" للإله بيتًا ومن حوله قام مواظبًا على أداء شعائر دين الله وتوارث رعاية "البيت" من بعده ابنه "صابى" الذى إليه يعود بنشأته الدين الصابئي

إن بوفاة آدم رفع هذا "البيت" المبنى من النور فما نزل إلا خصيصاً لآدم!.. بيد أن ليقوم مكانه "بيت" آخر به شبيه وعلى نفس الهيئة والشكل ولكن من جبلة الأرض ومادتها.. فمن الحجر والطين وعلى نفس المثل والشكل بنى "شيث" للإله بيتًا ومن حوله قام مواظبًا على أداء شعائر دين الله... وتوارث رعاية "البيت" من بعد شيث ابنه "صابى" الذى إليه يعود بنشأته الدين الصابئي.. ولكن هذا "البيت أيضاً قد دُرس بمجىء "الطوفان" الذى لم يترك إلا منه معالم ظلت قائمة على هذا الأكمة الحمراء التى لا تعلوها السيول والتى كان الناس قبل إبراهيم يعلمونه أن موقع "البيت" عليها يقع... فقد كان إلى ما قد تبقى من معالم هذا "البيت العتيق" يأتى المظلوم والمتعـوذ وعند أطلاله كان يدعوا المكروب.. ولم يزل "البيت" أمره الأمر حتى جاء إسماعيل وأصْحر بين جرهم الآخرة ولسيدها صاهر... فلم يقم على أساس "البيت العتيق" بيتاً جديدًا إلا غداة أطلق إبراهيم الصوت فى الأرجاء الجرهيمة منادياً إن الأمر الإلهي إليه قد صدر ببناء مكة!
بهذه القصة تتنفس صدور الكتب الإسلامية وترويها نقلاً عن شفاه العدنانيين من أبناء إسماعيل ولكن.. عند هذا الحد من القصة لا يقف أبناء إسماعيل، وإنما هم يسترسلون فيروون رواية لها ينبغى أن ينصت، أيضًا ، منا المسمع ولها يجب أن يتنبه منا الذهن فروايتهم إنما قصة هى إذ تحدثنا بأن بناء "البيت" قد حدث بعد أن أصحر إسماعيل بين قبيلة جرهم الثانية ولها صاهر وصار له منها أولاد تعلموا العربية من قحطان العاربة وأصبحوا "العرب المستعربة" فليس إلا لتسترسل وفى شرح سارد تقول: بأن غداة جاء إبراهيم إلى هذا الوادى زائراً إسماعيل وله قال إن الله أمرنى أن ابنى له بيتاً قام إسماعيل يساعد إبراهيم فى بناء هذا "البيت" الذى قام على أنقاض ذاك البيت العتيق وأنهما لما فرغا من البناء نادى إبراهيم فى جرهم:
"أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق!".. ثم "خرج إبراهيم بإسماعيل ومن ورائهم الناس يعلم شعائر الحج إلى التروية فنزل ومن معه من المسلمين "مني" فصلى بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة ثم بات حتى أصبح فصلى بهم الفجر... ثم سار على "عرفة" فقام بهم هناك حتى إذا مالت الشمس جمع بين الصلاتين الظهر والعصر...  ثم راح بهم إلى الموقف من "عرفة" الذى يقف عليه الإمام.. فلما انحدرت الشمس دفع من معه حتى أتى "المزدلفة" فجمع بين الصلاتين المغرب والعشاء الآخرة، ثم بات ومن معه حتى إذا طلع الفجر وصلى الغداة وقف على قزح حتى إذا أسفر دفع بإسماعيل ومن معه يريه ويعلمه كيف يصنع حتى رمى الجمرات وأراه المنحر ثم نحر وحلق وطوف ثم عاد إلى "منى" حتى فرغ من الحج..."
لا ثمة شك فى أن هذه الرواية التى يرويها أبناء إسماعيل عن إبراهيم إنما رواية لا يذكرها "العهد القديم" المرجع الأول عن إبراهيم، ولكن الشىء الذى يهمنا فى هذا الصدد هو ما تطلعنا به طيات الكتب الإسلامية( ) التى تذكر أن الله كإله واحد كان معروفاً فى العصر الجرهمى وأن "البيت العتيق" قد جُدّد بناؤه فى العصر نفسه وعرف باسم "بيت الله" وأن العرب من عاربة ومستعربة وصابئة وأحناف على سواء كانت تحج إليه فى مراعاة لجميع المناسبات الدينية وفى التزام لشعائر المناسك واستمساك بمشاعر الحج من طواف ونحر ورمى جمرات إلى جانب القيام بهذه الصلوات الخمس.
وتسترسل المصادر الإسلاميّة وعن التفكير الدينىّ فى هذا العصر تحدّثنا، فهذه المصادر لا تقف عـند القول بأنّ العـرب من فروع قحطان وأصول عدنان كانت فى معتقدها الدينيّ تؤمن بوجود الله كإله واحد وأحد ولا فحسب بأنها كانت تلتزم بما يفرضه هذا الإيمان من أصوات التعـبّد وأحكام العبادة فتؤدى الحج والصلاة ولا فحسب بأن العربى الصابئ كان يؤدى هذه الصلوات الخمس.. وإنما هذه المصادر تعرّج بناء على ناحية أخرى دقيقة من مظاهر التعـبد التى تطالعنا بقيام هذا "البيت" وهى تحول القبلة الصابئة من "القطبية" على هذا "البيت الذى إليه راح الوجه الحنيفى والصابئى على سواء يتخذه فى صلاته إلى الله: قبلة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال