القائد العربي بن محمد الناصري الحمري بلكوش: مسيرة حياة قائد من أحمر، من التكوين الزاوي إلى قيادة الأقاليم في خدمة المخزن خلال فترة التحولات الكبرى

القائد العربي بن محمد الناصري الحمري بلكوش: مسيرة قائد من أحمر في خدمة المخزن

يُعد العربي بن محمد بن الحاج عبد الله الناصري الحمري بلكوش شخصية محورية في تاريخ قبيلة أحمر وفي العلاقة المعقدة بين الزعامات المحلية والمخزن المغربي خلال أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. ينتمي العربي بلكوش إلى إحدى أشهر وأعرق بيوتات قبيلة أحمر، والتي اشتهرت بحضارتها العريقة وعلاقاتها الوثيقة بالمخزن. تُنسب هذه الأسرة إلى علي بن ناصر الحمري، الذي كان يُعرف بشيخ رماة عصره، مما يدل على مكانة الأسرة القوية في الفنون الحربية والفروسية، وهي سمة غالبًا ما جذبت اهتمام السلطة المركزية.


النشأة والتكوين: بين الزاوية والقصر

وُلد العربي بلكوش سنة 1292 هـ الموافق 1875 م في زاوية الخنوفة، وهي مركز ديني وعلمي تابع لأسرته. فقد والده وهو ما زال صبيًا، فتربى في كنف خاله سي عبد السلام بن الحاج عبد الله، الذي اضطلع بدور كبير في رعايته وتوجيهه.

شهدت طفولة العربي بلكوش حدثًا مهمًا يُبرز العلاقة المميزة لأسرته بالمخزن. فخلال رحلة السلطان إلى الجنوب، نزل بقصبة الإسماعيلية (التي تُعرف حاليًا بالشماعية). كانت هذه القصبة تُستخدم لتدريب أنجال السلطان، بمن فيهم الأميران مولاي حفيظ ومولاي الكبير، بالإضافة إلى أبناء المحاسيب (مقربو السلطان)، على الرماية وركوب الخيل. هذا التدريب كان يتم تحت الإشراف المباشر لـأهل زاوية الخنوفة، أحفاد الشيخ علي بن ناصر، مما يؤكد الخبرة العميقة للأسرة في هذه الفنون الحربية.

بالإضافة إلى التدريب العسكري، كان الأمراء ورفاقهم يتلقون مختلف العلوم على يد خيرة العلماء في ذلك الوقت، ومنهم:

  • الأستاذ أحمد بن محمد السلمي المرادسي، مؤرخ السلطان الحسن الأول.
  • الطالب محمد بن محمد ابن سودة.
  • التهامي بن عبد القادر المراكشي، المعروف بابن الحداد.

هذا التفاعل المبكر بين أسرة العربي بلكوش والقصر السلطاني، بالإضافة إلى التكوين العلمي والأخلاقي الذي كانت الزاوية تُقدمه، شكّل جزءًا أساسيًا من شخصيته ومساره المستقبلي.


رعاية السلطان والتكوين العلمي المبكر:

نظرًا لكون والد العربي، محمد بن الحاج عبد الله بلكوش، كان من خدام المخزن، فقد استفسر السلطان عن أولاده بعد وفاته. عندما أُخبر بأنه لم يترك إلا بنتًا واحدة (عائشة) وولدًا واحدًا (العربي)، أمر السلطان الفقيه الحاج المختار بن حميدة النواصري بأن يسهر على تربية هذا الولد والعناية به وكفالته وتعليمه. تُظهر هذه اللفتة السلطانية اهتمام المخزن بتأمين مستقبل أبناء خدامه المخلصين، وربما كانت استشرافًا لمستقبل هذا الطفل.

وفعلًا، أثبت العربي بلكوش أنه كان جديرًا بهذه الرعاية، فقد حفظ القرآن الكريم وهو ابن خمس عشرة سنة بروايتي المكي والبصري، مما يدل على ذكائه وقوة حفظه. بعد ذلك، توجه إلى خاله الفقيه الطاهر بن الحبيب الكدالي، الذي كان قاضيًا بناحية آسفي "الساحل". هناك، درس العربي بلكوش مبادئ الفقه والنحو، مما أضاف إلى تكوينه الديني واللغوي.


عوامل صعوده للمناصب المخزنية:

إن اجتماع عدة عوامل في شخصية العربي بن محمد بلكوش هو ما عجّل باختياره وتدرجه في المناصب المخزنية:

  1. التكوين الديني المتين: حفظه للقرآن ودراسته للفقه والنحو.
  2. الخبرة المهمة في المجال الحربي: التي اكتسبها من خلال انتمائه لأسرة اشتهرت بالرماية والفروسية، ومشاركتها في تدريب الأمراء.
  3. العلاقة القديمة والمتجذرة لأسرته بالمخزن: التي توارثتها الأجيال، والتي عززتها رعاية السلطان له منذ صغره.

تدرجه في المناصب المخزنية: من الشيخ إلى القائد

بعد عودته إلى زاوية الخنوفة، عمل العربي بلكوش في الفلاحة وتزوج من ابنة سي قاسم. لكن قدره لم يكن أن يبقى مجرد فلاح. سرعان ما وقع عليه الاختيار للاندراج في المناصب المخزنية، وبدأ مسيرته بصفته شيخًا مع القائد عيسى ابن عمر العبدي، وذلك خلال الولاية الأولى لهذا الأخير على قبيلة أحمر ما بين 1907 و 1909.

ثم اختير لاحقًا قائدًا لحركة أهل أحمر المتجهة إلى تازة لمحاربة بوحمارة (الروكي بوحمارة، ثائر شهير)، وذلك إلى جانب القائد قاسم بلقاضي. هذه المهمة العسكرية الكبيرة تُبرز ثقة المخزن في قدراته القيادية والعسكرية.

مع دخول الفرنسيين إلى آسفي، أُلقي القبض عليه من قبل القائد أحمد ابن عيسى العبدي (ربما في سياق ترتيبات القوة الجديدة أو خلافات داخلية)، لكنه سرعان ما أُطلق سراحه. بعد ذلك، تولى منصب خليفة الزرة سنة 1916م.

شهدت مسيرته مزيدًا من التدرج:

  • في سنة 1918، عُين قائدًا على الزرة الشمالية، خلفًا للخليفة بن ميه.
  • في 02 نوفمبر 1919، عند وفاة القائد قاسم، انتقلت قيادته (الزرة الجنوبية) إلى القائد العربي، وتلقى ظهيرًا شريفًا بذلك في 06 يونيو 1920.
  • وفي 18 يونيو 1920، أُضيف إليه نصف أولاد يوسف عند عزل القائد إبراهيم ولد الحمري.

إرث القائد العربي بلكوش: ربع قرن من القيادة الفعالة

امتدت فترة حكم القائد العربي بلكوش على الزرة وجزء من أولاد يوسف قرابة 25 سنة. خلال هذه الفترة الطويلة، تدرج من شيخ قبيلة إلى قائد متميز بـكفاءة عالية في حل المشاكل واستتباب الأمن. كان يُعرف أيضًا بـزيارته للمناطق النائية والإنصات للساكنة، مما يعكس نهجًا قياديًا قريبًا من الناس ومهتمًا بشؤونهم.

لقد بسط نفوذه على رقعة جغرافية شاسعة، كانت تمتد على ثلثي مساحة البلاد البالغة آنذاك 5000 كيلومتر مربع. كانت هذه المنطقة تضم أكبر عدد من المشيخات (24 مشيخة)، وأكبر عدد من الدواوير (290 دوارًا). هذا النفوذ الواسع وحسن الإدارة في منطقة بالغة الأهمية يُشير إلى قدراته الإدارية والسياسية الفذة في فترة شهدت تحولات عميقة في تاريخ المغرب.

تُقدم سيرة القائد العربي بلكوش نموذجًا للزعامات المحلية التي تمكنت من التكيف مع التحولات السياسية، والحفاظ على نفوذها، والاضطلاع بأدوار حيوية في إدارة شؤون القبائل والمناطق نيابة عن السلطة المركزية، سواء في عهد الاستقلال أو في مرحلة ما قبله.

ليست هناك تعليقات

جميع الحقوق محفوظة لــ وريقات 2015 ©