ظهير 17 يوليوز 1936 المتعلق ببيع السيارات بالسلف:
يعتبر ظهير 17 يوليوز 1936 نصاً استثنائياً في التشريع المغربي، حيث جاء ليخرج عن القواعد العامة للرهن الحيازي المعروفة في قانون الالتزامات والعقود. فبينما يتطلب الرهن العادي انتقال الشيء المرهون إلى يد الدائن، سمح هذا الظهير للمشتري بالاحتفاظ بالسيارة واستعمالها مع بقائها "مرهونة" لفائدة الدائن. هذا المفهوم القانوني يُعرف بـ "الرهن بدون انتقال الحيازة"، وهو المحرك الأساسي لاقتصاد ائتمان السيارات في المغرب حتى يومنا هذا.
1. الأركان الجوهرية لعقد البيع بالسلف:
لصحة هذا النوع من البيوع وفق ظهير 1936، لابد من توفر شروط شكلية وموضوعية صارمة، تخرج به من إطار البيع العادي:
- الكتابة كشرط إثبات ونفاذ: لا يكفي التراضي الشفهي، بل يجب تحرير عقد مكتوب (سواء كان عرفياً أو رسمياً). هذا العقد هو السند القانوني الذي يعطي للجهة المقرضة الحق في تقييد الرهن. يجب أن يتضمن العقد مبلغ القرض بدقة، نسبة الفائدة (إن وجدت)، وعدد الأقساط الشهرية وتواريخ استحقاقها.
- التحديد الدقيق للمركبة: يجب أن يتضمن العقد "هوية" السيارة بشكل لا يدع مجالاً للشك، وتشمل: نوع الماركة، القوة الجبائية، رقم الهيكل الترتيبي (Chassis)، ورقم التسجيل (اللوحة المعدنية). أي خطأ في هذه البيانات قد يؤدي إلى بطلان القيد الرهني عند التنفيذ.
2. النظام الإشهاري للرهن (التقييد في السجلات):
قوة ظهير 1936 لا تكمن في العقد نفسه، بل في "إشهار" هذا العقد. لكي يواجه الدائن الغير (مثل شخص اشترى السيارة من المشتري الأصلي)، يجب القيام بما يلي:
- القيد الإداري: يتم إيداع العقد لدى المصالح المختصة بالتسجيل (NARSA حالياً). هذا القيد يترتب عليه تسجيل "تعرض" قانوني يمنع انتقال الملكية.
- البيان فوق البطاقة الرمادية: يتم التنصيص صراحة في صلب البطاقة الرمادية على أن السيارة موضوع رهن. هذا الإجراء يحمي "حسن النية" لدى الأغيار، فلا يمكن لأحد أن يدعي جهله بأن السيارة مرهونة ما دام البيان مكتوباً على وثيقتها الرسمية.
3. الامتيازات القانونية للدائن المرتهن:
منح الظهير امتيازات قوية للمؤسسة المقرضة (غالباً شركات تمويل أو أبناك) لضمان استرداد أموالها:
- حق التتبع: يحق للدائن تتبع السيارة في أي يد انتقلت إليها. فإذا قام المشتري ببيع السيارة بطريقة تدليسية لشخص آخر، يحق للدائن حجزها لدى المشتري الجديد لأن الرهن يتبع "الشيء" لا "الشخص".
- حق الأفضلية: في حالة إفلاس المشتري أو بيع سيارته جبرياً من طرف دائنين آخرين، فإن الدائن المقيد بموجب ظهير 1936 يكون أول من يستخلص دينه من ثمن البيع قبل سائر الدائنين العاديين، وحتى قبل الدولة في بعض الحالات.
4. الحماية الجنائية والمدنية ضد التلاعب:
لم يكتفِ الظهير بالجانب المدني، بل أحاط الضمانة بحماية زجرية. فالمشتري الذي يقوم ببيع السيارة المرهونة أو إخفائها أو إتلافها عمداً للإضرار بالدائن، قد يتعرض للمتابعة بتهمة "تبديد محجوز" أو النصب، لأن السيارة من الناحية القانونية هي أمانة تحت يده بضمانة الرهن.
أما مدنياً، فإن أي تفويت للسيارة دون رفع اليد يعتبر باطلاً بطلانًا مطلقًا ولا ينتج أي أثر قانوني في مواجهة الشركة المقرضة، ويحق لهذه الأخيرة طلب استرداد السيارة فوراً عبر القضاء الاستعجالي.
5. مسطرة التنفيذ القضائي عند التوقف عن الأداء:
عند عجز المشتري عن سداد الأقساط، رسم الظهير مساراً قانونياً واضحاً:
- فسخ العقد: بموجب بند "الفسخ بقوة القانون" الموجود عادة في العقود، يعتبر العقد مفسوخاً بمجرد عدم أداء قسطين أو ثلاثة.
- الأمر بالاسترداد: يلجأ الدائن إلى رئيس المحكمة بصفته قاضياً للمستعجلات لاستصدار أمر باسترداد الحيازة.
- الحجز والتنفيذ: يقوم مأمور التنفيذ (المفوض القضائي) بحجز السيارة ونقلها إلى "المحجز" تمهيداً لبيعها.
- البيع الجبري: تباع السيارة وفق مسطرة البيع بالمزاد العلني، ويتم اقتطاع ما تبقى من القرض، الفوائد، والذعائر، والمصاريف القضائية، ثم يُرد الباقي (إن وجد) للمشتري.
6. انقضاء الرهن وإجراءات "رفع اليد":
ينتهي مفعول هذا الظهير بالنسبة لمركبة معينة في حالتين:
- الأداء الكامل: وهو الحالة الطبيعية، حيث يلتزم الدائن بمنح المشتري شهادة "رفع اليد" (Mainlevée). بموجب هذه الشهادة، يتوجه المشتري للإدارة لشطب الرهن واسترداد حقه الكامل في التصرف (البيع، التصدير، إلخ).
- مرور الزمن (التقادم): رغم أن حقوق الدائن قوية، إلا أن الرهن قد يسقط بمرور فترات زمنية طويلة دون تجديد أو تفعيل، وفق القواعد العامة للتقادم، وإن كان هذا نادراً في العمل البنكي.
خاتمة وتقييم:
بالرغم من مرور ثمانية عقود على صدور ظهير 17 يوليوز 1936، فإنه لا يزال النص الأكثر "هيبة" في معاملات السيارات بالمغرب. لقد استطاع هذا النص الصمود لأنه حقق توازناً دقيقاً: مكن الطبقة الوسطى من اقتناء السيارات عبر "قرض الاستهلاك"، وضمن للمؤسسات المالية استرجاع أموالها عبر "رهن عقاري على منقول".