تصنيف الأنهار: مقاييس متعددة لتنوع الظاهرة النهرية
تُعد الأنهار من أبرز الظواهر الطبيعية على سطح الأرض، وكما هو الحال مع العديد من هذه الظواهر، يمكن تصنيف الأنهار إلى مجموعات متميزة بناءً على مقاييس ومعايير مختلفة. يعكس هذا التنوع في التصنيف التعقيد والتعدد في خصائص الأنهار وأنماطها، مما يتيح فهمًا أعمق لديناميكيتها وتأثيرها البيئي والجغرافي.
أولاً: تصنيف الأنهار بناءً على طبيعة جريان الماء
يعتمد هذا التصنيف على مدى استمرارية تدفق المياه في المجاري النهرية على مدار العام، وهو مؤشر رئيسي على طبيعة التغذية المائية للنهر (الأمطار، الذوبان الجليدي، المياه الجوفية).
1. الأنهار الدائمية الجريان (Permanent Rivers):
- الخصائص: تتميز هذه الأنهار بجريانها المستمر للمياه على مدار العام، حتى في مواسم الجفاف.
- سبب الاستمرارية: عادة ما تتغذى من مصادر ثابتة وموثوقة مثل المياه الجوفية (التي تمد النهر بالمياه باستمرار)، بالإضافة إلى الأمطار وذوبان الثلوج.
- أمثلة: غالبية الأنهار الكبرى والمعروفة عالميًا تندرج ضمن هذا التصنيف، مثل نهر النيل ونهر الأمازون.
2. الأنهار المتقطعة (Intermittent Rivers):
- الخصائص: تجري المياه فيها لفترات محددة من السنة، وتجف تمامًا أو تتحول إلى برك منعزلة في فترات أخرى.
- سبب الانقطاع: تعتمد تغذيتها بشكل أساسي على الأمطار الموسمية أو ذوبان الثلوج، وتتوقف عن الجريان عندما ينخفض مستوى المياه الجوفية بشكل كبير أو يتوقف هطول الأمطار.
- الانتشار: شائعة في المناطق ذات المناخ الموسمي أو شبه الجاف.
3. الأنهار الوقتية (Ephemeral Rivers):
- الخصائص: تظهر وتجري لفترات قصيرة جدًا، غالبًا لساعات أو أيام قليلة، عقب هطول أمطار غزيرة ومفاجئة.
- سبب الظهور: تغذيتها غير مباشرة ومحدودة بوقت هطول المطر؛ لا تتلقى تغذية مستدامة من المياه الجوفية.
- الانتشار: تنتشر بكثرة في المناطق الصحراوية والجافة وتُعرف محليًا باسم الأودية الجافة أو السيول.
ثانياً: تصنيف الأنهار تبعاً لنظمها (Regime Classification)
يشير نظام النهر (River Regime) إلى التقلبات الموسمية في حجم تدفق المياه (التصريف) للنهر على مدار العام، ويُستخدم لفهم مصادر التغذية وتأثير المناخ عليها.
1. الأنهار ذات النظام البسيط:
- الخصائص: تتأثر بمصدر واحد رئيسي للتغذية المائية، مثل الأمطار فقط أو ذوبان الثلوج فقط.
- النتيجة: تكون تقلبات التصريف فيها بسيطة وواضحة، حيث يرتفع التصريف في موسم التغذية وينخفض في الموسم الجاف.
- أمثلة: أنهار المناطق الاستوائية التي تتأثر فقط بمواسم الأمطار.
2. الأنهار ذات النظام المزدوج:
- الخصائص: تتأثر بمصدرين رئيسيين للتغذية المائية.
- النتيجة: تظهر موجتا فيضان أو ارتفاع في التصريف خلال العام، ترتبط كل واحدة منهما بمصدر مختلف (مثل موجة فيضان ناتجة عن الأمطار في الربيع، وموجة أخرى ناتجة عن ذوبان الثلوج في الصيف).
3. النظام المركب (Complex Regime):
- الخصائص: تتأثر بأكثر من مصدرين للتغذية، أو تتأثر بمناطق مناخية وجيولوجية مختلفة جدًا على طول مجراها الطويل.
- النتيجة: تكون تقلبات التصريف فيها معقدة وغير منتظمة أو متعددة الموجات، مما يصعّب التنبؤ بسلوكها الهيدرولوجي.
- أمثلة: الأنهار العابرة للقارات أو المناطق المناخية المتباينة، كنهر النيل (المتأثر بأمطار الهضبة الاستوائية والأمطار الموسمية الإثيوبية).
ثالثاً: تصنيف الأنهار تبعاً لمراتبها (River Orders)
يُستخدم تصنيف المراتب (Strahler Order أو Horton Order) لترتيب وتصنيف أجزاء شبكة التصريف النهرية هيكليًا، حيث يعكس ذلك قوة النهر في التعرية.
- الأساس: يُعطى لأصغر وأعلى المجاري النهرية التي ليس لها روافد سابقة المرتبة الأولى (First Order).
- التدرج: عندما يلتقي نهران من نفس المرتبة، فإن المجرى الناتج يأخذ المرتبة الأعلى التالية (نهر من المرتبة 1 يلتقي بـ 1 ينتج نهرًا من المرتبة 2).
- الأهمية: يساعد هذا التصنيف في تقدير حجم حوض النهر ومقدار المياه التي يحملها كل جزء من الشبكة.
رابعاً: تصنيف الأنهار تبعاً لنمط التصريف (Drainage Pattern)
يشير نمط التصريف إلى الشكل الهندسي لشبكة الأنهار وروافدها داخل الحوض النهري، ويتأثر هذا النمط بشكل كبير ببنية الصخور والتراكيب الجيولوجية والمنحدرات السائدة في المنطقة.
1. نمط التصريف النهري الشجري (Dendritic Pattern):
- الشكل: يشبه تفرع أغصان الشجرة.
- السبب: يتطور في المناطق ذات التركيب الجيولوجي المتجانس (صخور بنفس المقاومة) والمنحدرات اللطيفة، حيث تتدفق الروافد باتجاه منحدر الأرض دون تأثير كبير من التصدعات أو التشققات الصخرية.
2. نمط التصريف المستطيل (المتعامد) (Rectangular Pattern):
- الشكل: تتقاطع المجاري بزوايا قائمة أو شبه قائمة (90 درجة).
- السبب: يتطور في المناطق التي تسيطر عليها الصدوع (Faults) والمفاصل (Joints) التي تتجه في اتجاهين متعامدين، مما يجبر المجاري المائية على اتباع هذه الخطوط الضعيفة في القشرة الأرضية.
3. نمط التصريف التكعيبي (Trellis Pattern):
- الشكل: شبيه بالمتعامد ولكنه أكثر تنظيمًا، حيث تجري الروافد الطويلة المتوازية بين السلاسل الجبلية الملتوية، وتلتقي بمجارٍ رئيسية بزوايا قائمة.
- السبب: يتكون في مناطق الطيّات التي تتكون من طبقات صخرية صلبة وأخرى رخوة مائلة أو مطوية، حيث تحفر المجاري الرئيسية في الصخور الرخوة، وتتبع المجاري الفرعية المفاصل.
4. نمط التصريف النهري المدور (Annular Pattern):
- الشكل: المجاري النهرية تتخذ شكلًا دائريًا تقريبًا.
- السبب: يتكون في القباب الجيولوجية (Domes) التي تعرضت للتعرية أو في مناطق التراكيب الصخرية الرسوبية الحلقية، حيث تتبع المجاري طبقات الصخور الأقل مقاومة التي تطوق المركز.
5. نمط التصريف النهري الإشعاعي (Radial Pattern):
- الشكل: تتفرع المجاري المائية في جميع الاتجاهات من نقطة مركزية.
- السبب: يتطور على القمم المستديرة أو المخروطية، مثل البراكين أو القباب المرتفعة.
خامساً: تصنيف الأنهار تبعاً لنشأتها (Genetic Classification)
يركز هذا التصنيف على العلاقة بين اتجاه جريان النهر والبنية الجيولوجية (الميول والتركيب الصخري) التي يمر بها الحوض النهري.
1. الأنهار التابعة (Consequent Rivers):
- التعريف: هي الأنهار التي يكون اتجاه جريانها الأصلي متوافقًا مع الاتجاه الأصلي لانحدار السطح الجيولوجي أو ميول الطبقات.
- النشأة: هي الأنهار الأولى التي تتشكل على سطح جيولوجي جديد.
2. الأنهار التالية (Subsequent Rivers):
- التعريف: هي الأنهار التي تجري عموديًا على الأنهار التابعة، وتتبع خطوط ضعف أو طبقات صخرية رخوة.
- النشأة: تتكون لاحقًا نتيجة للتعرية التفاضلية التي تكشف عن الصخور الأقل مقاومة، وتتبع غالبًا خطوط المفاصل والصدوع.
3. الأنهار العكسية (Obsequent Rivers):
- التعريف: هي روافد صغيرة تجري في الاتجاه المعاكس للاتجاه الأصلي لانحدار الطبقات.
- النشأة: تنشأ على المنحدرات التي تواجه الاتجاه الأصلي للانحدار العام، وتصب في الأنهار التالية.
4. الأنهار الحديثة (Resequent Rivers):
- التعريف: هي أنهار تجري في نفس اتجاه الأنهار التابعة، لكنها تشكلت في مرحلة متأخرة بعد عمليات تعرية واسعة.
- النشأة: تتطور على الطبقات التي كشفت عنها عمليات التعرية، وتكون تابعة في الاتجاه لكنها أحدث في العمر.
5. الأنهار العشوائية (Insequent Rivers):
- التعريف: هي الأنهار التي يكون اتجاه جريانها غير مرتبط بالبنية الجيولوجية أو الانحدار، حيث تعبر التراكيب الجيولوجية المختلفة دون تبعية واضحة.
- النشأة: قد تكون أنهارًا قديمة حافظت على مسارها بينما تغيرت التراكيب الجيولوجية حولها (أنهار متغلبة)، أو نشأت في مناطق ذات جيولوجيا معقدة وغير منتظمة.