شارع عين سارة: رحلة عبر التاريخ من وادي سارة إلى شارع الملك عبد الله - تتبع أثر العين المباركة وتراث الأميرة سارة

شارع عين سارة: رحلة عبر الزمن والأسماء

يُعدّ شارع عين سارة شريانًا حيويًا ينبض بالحياة في قلب المدينة، ليس فقط لكونه محورًا رئيسيًا للحركة والتنقل، بل لأنه يحمل في طياته إرثًا تاريخيًا وثقافيًا غنيًا يعود لقرون مضت. يمتد هذا الشارع بطول يربطه بنقاط مفصلية في المدينة، بدءًا من مفترق شارع "ممرا" وشارع "قرن الثور"، مرورًا بمعالم تاريخية مثل مدرسة الحسين بن علي (التي كانت تُعرف سابقًا باسم "مدرسة بيلي" في فترة ما)، وصولًا إلى مفترق الحرس الذي يمثل نقطة التقاء هامة.


من "وادي سارة" إلى "شارع القدس": تطور التسمية والامتداد الجغرافي

قبل أن يحمل اسم "شارع عين سارة" بشكله الحالي، كانت المنطقة المحيطة به تُعرف باسم "وادي سارة". هذه التسمية تشير إلى طبيعة المكان الجغرافية آنذاك، كونه واديًا يحتضن نبع الماء الذي سيُعرف لاحقًا باسم "عين سارة". هذا الوادي كان يُشكل غالبًا نقطة جذب للحياة والاستيطان، نظرًا لتوفر المياه العذبة.

المثير للاهتمام هو أن شارع عين سارة لا ينتهي عند مفترق الحرس فحسب، بل يمتد شمالًا ليصبح شارع القدس. هذا الامتداد يحمل دلالة رمزية وجغرافية، حيث يربط بين منطقة تاريخية تحمل اسمًا له صلة عميقة بالمياه والتراث، وبين شارع يحمل اسم مدينة مقدسة ذات رمزية عالمية، مما يوحي برابط حضاري وثقافي عميق للمنطقة ككل.


"عين سارة": منبع الحياة ومعنى "الأميرة"

يكمن جوهر تسمية الشارع في "عين سارة" نفسها، وهي نبع ماء عذب يتدفق بغزارة، ويقع على الجانب الأيسر من الشارع، على بعد مسافة قصيرة شمال مدرسة الحسين بن علي. لم تكن هذه العين مجرد مصدر للمياه، بل كانت جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والاقتصادي للمنطقة، حيث كانت تروي المزارع وتُحيي الأراضي.

أهمية "عين سارة" تكمن أيضًا في ورود ذكرها في المراجع التاريخية، مثل كتاب "بلادنا فلسطين"، الذي وصفها بأنها "بظاهر البلد بين الكروم، منبعها قريب من حوضها". هذا الوصف يعطينا لمحة عن المشهد الطبيعي للمنطقة في ذلك الوقت، حيث كانت الكروم تنتشر حول العين، مما يؤكد على خصوبة التربة ووفرة المياه.

أما عن معنى الاسم، فكلمة "سارة" تعني "أميرة" في اللغة العربية، وهو اسم جميل يحمل دلالات الرقي والنبل. ولكن الأهم من ذلك، أن الاسم يعود تاريخيًا إلى سارة زوجة نبي الله إبراهيم عليه السلام، وابنة عمه "هاران". كان اسمها في الأصل "يسارة"، وإليها تُنسب تسمية العين، ومن ثم الشارع، وأخيرًا الحي بأكمله الذي نشأ حول هذا النبع الحيوي. هذه العلاقة التاريخية والدينية تمنح الشارع عمقًا وبعدًا ثقافيًا ودينيًا، وتجعل من كل خطوة فيه رحلة عبر الزمن.


"عين سارة" في ذاكرة الشعراء: صدى التاريخ في الأدب

لم تقتصر أهمية "عين سارة" على الجانب الجغرافي والحياتي فحسب، بل امتد تأثيرها ليلامس وجدان الشعراء، فخلّدوها في قصائدهم. من أبرز من ذكرها الشاعر الشيخ إبراهيم بن زقاعة، الذي عاش قبل أكثر من ستمائة عام. يقول في شعره:

فعين سارة لا أنسى مواردها
وعين حلحول أعني عين ذا النون

هذا البيت الشعري ليس مجرد ذكر عابر، بل هو شهادة تاريخية على مكانة "عين سارة" في نفوس الناس. "مواردها" تعني مصادر مياهها الوفيرة، والتعبير عن عدم نسيانها يدل على ارتباط الشاعر بها وبذكرياته حولها. مقارنتها بـ"عين حلحول" تزيد من أهميتها، حيث كانت عين حلحول أيضًا من الينابيع المعروفة في المنطقة، مما يضع "عين سارة" في مصاف الينابيع الشهيرة والمباركة. هذا الشاهد الشعري يعزز فكرة أن "عين سارة" كانت ولا تزال رمزًا للحياة والعطاء.


"شارع الملك عبد الله": تسمية حديثة لتراث عريق

إضافة إلى اسمه التاريخي، يُعرف شارع عين سارة أيضًا باسم "شارع الملك عبد الله". هذه التسمية الحديثة لا تلغي التسمية الأصلية، بل تأتي لتُبرز أهمية الشارع في العصر الحديث، وربطه بشخصية قيادية معاصرة. يُشير هذا الازدواج في التسمية إلى التطور الذي شهدته المدينة، حيث تتمازج الأصالة بالتحديث. ففي كثير من المدن، تُطلق أسماء حديثة على الشوارع الرئيسية تكريمًا لشخصيات هامة أو أحداث مفصلية، مع الحفاظ على التسميات القديمة التي تحمل عبق التاريخ والتراث.

أحدث أقدم

نموذج الاتصال