نظرية مالتوس.. نسبة الزيادة في السكان تفوق بمراحل الزيادة في الانتاج الغذائي. السكان يتزايدون طبقاً لمتوالية هندسية والمنتجات الزراعية تتزايد طبقاً لمتوالية عددية

يعتبر روبرت مالتس من أئمة الاقتصاديين التقليديين، ومن أهم مؤلفاته بحث في مبادئ السكان ظهر سنة 1798م، وقد عَرَضَ فيه نظرية ذات طابع تشاؤمي، يقول: "إنَّ إشباع رغبات الإنسان وتنمية أوجه نشاطه الطبيعية، والعقلية، والروحية، لا يكون إلاَّ بالطعام أولاً وقبل كل شيء، وليس إنتاج الثروة إلاَّ وسيلة هذا الطعام الذي يقيم أوده، فيتمكَّن من أنْ ينشط ويعمل ويفكر، والإنسان هو وسيلة الإنتاج الرئيسة، وهو في النهاية هدف الإنتاج الرئيسي".
وأنَّ مؤدى هذه النظرية أنَّ نسبة الزيادة في السكان تفوق بمراحل الزيادة في الانتاج الغذائي.
يرجع ذلك إلى أنَّ السكان يتزايدون طبقاً لمتوالية هندسية أساسها، (2، 4، 8، 16، 32، ..)، بينما تتزايد المنتجات الزراعية طبقاً لمتوالية عددية أساسها، (1، 2، 3، 4، 5، ..)، وأنَّ المدة التي تنقضي بين كل رقمين في كلتا الحالتين هي 25 سنة. ومعنى هذا أنَّ عدد السكان يزيد خلال قرن واحد إلى 16 ضعفاً، في حين أنَّ المواد الغذائية لا تزيد من نفس المدة إلاَّ خمسة أضعاف فقط. ولذلك فإنَّ اختلالاً لا بُدَّ وأنْ يحدث بين عدد السكان وكمية المنتجات الغذائية.
ويرى مالتس أنَّ هنالك بعض الموانع التي تعمل على تجنب وقوع الكارثة، وعلى إبقاء جملة السكان عند الحد الذي تسمح به الموارد التي تشبع الحاجات الأساسية للإنسان. وهذه الموانع تنقسم إلى نوعين: موانع سلبية، وموانع إيجابية.
فالموانع السلبية هي تلك التي يلجأ إليها الإنسان من تلقاء نفسه، نتيجة تبصره كي تحول دون وقوع الكارثة. وهي تطبق غالباً في المجتمعات المتقدمة حيث يُقْبِل النَّاس طواعية على تأجيل الزواج إلى سن متأخرة، أو إلى الامتناع عنه، وكذلك تحديد النسل .
فإذا لم تَفِ هذه الموانع السلبية أو لم يُقْبِل الأفراد عليها؛ تدخلت العوامل الإيجابية لمنع تجاوز عدد السكان عن الحد الذي يمكن أنْ تكفيه المواد الغذائية. وهذه العوامل هي: سوء التغذية، والأوبئة، والحروب..إلخ).
هذا موجز عن أهم ما ورد بنظرية مالتس للسكان. أما الانتقادات التي وجهت إليها فتعتمد غالبيتها على أنَّ تنبؤاته لم تتحقَّق، فلم يتضاعف السكان دائماً كل خمسة وعشرين عاماً، كما أنَّ الإنتاج الزراعي قد زاد في كثير من الدول زيادة فاقت بمراحل الزيادة في عدد السكان، ولم يحدث ذلك في البلاد الجديدة غير كثيفة السكان ـ كالولايات المتحدة ـ فحسب؛ بل في كثير من دول أوربا الغربية التي كانت تكتظ بالسكان وقت إعلانه النظرية.
إنَّ صحة النظرية أو عدمه يتوقف على الظروف السائدة في المكان أو الزمان، وأنَّ النظرة العامة لا تكفي لهدم النظرية أو لتأييدها، ويجب النظر إلى كل من شِقْيِّ النظرية على حده: تزايد السكان، وتزايد الإنتاج الزراعي. وذلك بعد تقسيم الدول إلى مجموعات، طبقاً لنوع الإنتاج السائد فيها، وطبقاً لمراحل تطورها.
ففيما يختص بتضاعف السكان مرةً كل خمسة وعشرين عاماً؛ فإنه وإنْ كان لا يتحقَّق في عدد من الدول، فإنَّ الغالبية العظمى من الدول النامية تتزايد طبقاً لهذا المعدل في الوقت الحاضر أو ربما بأكثر منه.
وفي هذا الصدد؛ فإنَّ التحليل الحديث لتطور نسب الزيادة في السكان في الدول المختـلفة، يميز بين أربع مراحل من التطور:
المرحلة الأولى: وفيها يرتفع معدل المواليد وكذلك معدل الوفيات، والنتيجة هي تزايد السكان ببطء  ويبدو أن هذه المرحلة هي التي قصدها مالتس، إذ أن العوامل الإيجابية التي ذكرها تتدخل لترفع من معدل الوفيات وتنطبق هذه الحالة على الدول البدائية.
المرحلة الثانية: وفيها يعمل انتشار الأساليب الصحية الحديثة على انخفاض معدل الوفيات، فتحدث زيادة كبيرة لعدد السكان.
وهنا يظهر شبح مالتس بصورة مخيفة، ويبدأ المفكرون في البحث عن مخرج، والحل الطبيعي لذلك هو إعادة التوازن بين السكان والإنتاج، إما عن طريق تحديد النَّسل، أو عن طريق الإسراع بزيادة الإنتاج، أو اتِّباع الطريقتين معاً. وتنطبق هذه الحالة على كثير من الدول النامية في الوقت الحاضر.
المرحلة الثالثة: وهي مرحلة تتميز بانخفاض في معدل المواليد وانخفاض في معدل الوفيات.
وانخفاض معدل المواليد ينتج في هذه الحالة عن رغبة الأفراد أنفسهم في تقليل حجم الأسرة، حتى يتمتع الكل بمستوى معيشة أفضل، أي ينتج عن طريق العوامل السلبية التي ذكرها مالتس.
والمشاهَد أنه نتج عن تدخل هذه العوامل السلبية في البلاد الغربية في الوقت الحاضر آثاراً أكبر من تلك التي تخيَّلها مالتس، فلم تعمل هذه العوامل على حفظ التوازن بين عدد السكان وحجم المنتجات فحسب؛ بل أدت إلى ثبات عدد السكان أو تزايدهم بنسبة بسيطة. وفي الوقت نفسه زاد الإنتاج زيادة هائلة، وهذا يفسِّر المستوى المرتفع للمعيشة الذي ينعم به سكان أوربا الغربية في الوقت الحاضر.
المرحلة الرابعة: يرى البعض أنها تلي المرحلة السابقة، التي ترتفع فيها نسبة المواليد وتظل نسبة الوفيات على انخفاضها، والنتيجة هي زيادة السكان بمعدل مرتفع. وتنطبق هذه الحالة على الولايات المتحدة الأمريكية.
ولا يخشى من زيادة السكان في هذه الحالة، لأن البلاد تتمتع بمقدرة إنتاجية هائلة، تسمح بزيادة الإنتاج زيادة تفوق بمراحل، نسبة الزيادة في السكان.
هذا بالنسبة لما جاء في نظرية مالتس عن مضاعفة السكان كل خمسة وعشرين عاماً. أما فيما يختص بما ورد عن زيادة الموارد الغذائية مرة كل خمسة وعشرين عاماً؛ فقد تعرضت النظرية إلى نقد شديد من جانب كل المتشائمين والمتفائلين.
فقد تقدَّمت الأساليب الزراعية تقدُّماً ملموساً منذ ظهور نظرية مالتس، وثبت أنه من الممكن مضاعفة الإنتاج الزراعي في سنوات قليلة، نتيجة مقاومة الآفات، وإنتاج سلالات أكثر غلة، وانتقاء البذور، واستخدام الأسمدة، وغير ذلك من مظاهر التقدُّم العلمي في الزراعة.
ولا ينكر المتشائمون هذه الحقيقة، وإنما يرون أنَّ هذه الزيادة في الحاصلات الزراعية لا يمكن أنْ تستمر إلى ما لا نهاية، فالأرض الجيدة محدودة، وزراعتها الكثيفة تؤدي إلى تناقص درجة خصوبتها، كما أنَّ التوسع في الإنتاج الزراعي يتم دائماً نتيجة زراعة أراضي أقل جودة، هذه نفسها محدودة المساحة، إذ لا يمكن تصور زيادة لا نهائية لمساحة الأرض المزروعة.
وتظهر هذه المشكلة حالياً بصورة مفزعة في بعض البلدان النامية، ففي بلد كمصر يلاحظ أنَّ نصيب الفرد من المواد الغذائية المنتجة يتضاءل سنة بعد سنة، على الرغم من التقدُّم الملموس في الري، والزراعة، وإصلاح الأراضي. وسوف تؤدي المشاريع الحالية للسد العالي وزراعة أراضي جديدة إلى التخفيف من حدة المشكلة، ولكن آثار هذه المشاريع لن تكون سوى وقتيه، إذ من المتوقع أنْ يعود الحال في وقت قريب إلى ما هو عليه الآن، وربما إلى أسوأ منه إذا ما ظل شبح هذه الزيادة المروعة في السكان قائماً.
والخلاصة، أنَّ عدم تحقيق تنبؤات مالتس في كثير من الدول لا يعني أنَّ نظريته غير صحيحة؛ بل يعني فقط أنها ليست نظرية عامة تطبق في كل زمان ومكان.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال