السكن بالجزائر عامل للتنمية ومؤشر للسلم الاجتماعي.. احتدام أزمة السكن خلال سنوات العنف بسبب الانفجار السكاني والنزوح الريفي الجماعي

بعـد مرور أزيد من 46 سنة من الاستقلال، أدركت الجزائر اليوم مدى أهمية ملف السكن الذي لم توليه الأولوية التي يستحق في السنوات الأولى لاستقلالها نظرا لانشغال الدولة الفتية بمجابهة مخلفات الاستعمار وما تركه من خراب  في مجالات الثقافة و التربية و الصناعة و الصحة ...الخ.
إن التزايد السكاني الذي شهدته الجزائر، والذي تضاعف ثلاث مرات ( من12 مليون نسمة عشية الاستقلال إلى 34 مليون  نسمة و 400.000 حسب آخر إحصائية للسكان تمت منتصف سنة 2008) جعل من الاهتمام بالسكن مسألة لا يمكن فصلها عن مخططات التنمية الاجتماعية التي سطرتها مختلف الحكومات المتعاقبة. وقد أدت التحولات والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي شهدتها الجزائر منذ استقلالها إلى تفطن الدولة الجزائرية  بأنه لا يمكن نجاح أي عميلة تنمية في أي مجال و على أي صعيد ما لم تصاحبها سياسة رشيدة في مجال الإسكان والبناء والتعمير قصد ضمان استقرار المواطن، الذي هو عامل بشري ثابت ومحرك أساسي في مختلف قطاعات التنمية كون طبيعته وفطرته  تتطلب مأوى يركن إليه. من هنا تكمن الأهمية الكبرى لقطاع السكن وحساسيته في تحسين الإطار المعيشي للمواطن مهما اختلف مستواه و أصله الاجتماعي ومهما اختلفت الجهة التي ينتمي إليها. ومن أجل ذلك عملت الدولة الجزائرية في العشرية الأخيرة إلى إطلاق سلسة من البرامج السكنية تتنوع حسب تنوع  فئات المجتمع وحسب الجهات والمناطق  الجغرافية، تحت شعار "مليون سكن" ينتظر أن تسلم قبل انقضاء سنة 2009 مما يعد بحق تحديا كبيرا جندت له الدولة طاقات مادية و بشرية ضخمة. وبذلك  تكون الجزائر بصدد إنجاز أكبر برنامج للإسكان منذ الاستقلال وفي ظرف يمكن اعتباره قياسيا. و يمكن اعتبار هذا البرنامج الطموح نموذجا يمكن لدول عربية أخرى الإقتداء به بغية ردم الهوة بين العرض والطلب في مجال السكن الذي ظل يتسع من سنة لأخرى لأسباب مرتبطة بشكل رئيس بتصاعد النمو الديمغرافي.
و ما يجب الإشارة إليه أن العجز في السكن هو من دون شك أحد العناصر التي كان لها دور رئيسي في تفجير الأزمة الاجتماعية في الجزائر والتي لا يمكن فصلها عن الجانب السياسي والأمني. فلقد ساعد الانفجار السكاني والنزوح الريفي الجماعي خلال سنوات العنف على احتدام أزمة السكن الأمر الذي استدعى تدخلا سريعا للدولة الجزائرية من أجل إرساء قواعد سياسية تحفيزية في الكراء و البناء و طمأنة المالكين فيما يتعلق بعقود الكراء من أجل تحفيزهم على تأجير سكناتهم، ومن ثم المساهمة في تقليص أزمة السكن. ومن شدة هذه الأزمة يمكن أن نلاحظ أن كثيرا من مطالب العمال المضربين سواء أتعلق الأمر بالمصانع الكبرى أو بقطاع التعليم العالي تتضمن قضية السكن ضمن اولويات انشغالاتهم الاجتماعية المشروعة التي لا يمكن إغفالها أو تجاهلها . ويشير علماء الاجتماع إلى دور أزمة السكن في الاحتقان الاجتماعي لاسيما لدى الشباب. يمكن في هذا الصدد الإشارة إلى ما ذكره  مثلا أستاذ علم الاجتماع الدكتور الهواري عدي حين يعتبر أن أزمة السكن وضيق السكنات قد أثر على المراهقين بشكل خاص بحيث دفعهم إلى الانتقال "العنيف" من مرحة الطفولة إلى سن الرشد.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال