دور وواجبات مراقب الحسابات في الشركات المساهمة: تحليل مفصل للقانون رقم 159 لسنة 1981
يُعد مراقب الحسابات (أو مراجع الحسابات) حجر الزاوية في تحقيق الشفافية المالية وحماية حقوق المساهمين في الشركات المساهمة. يضطلع هذا الدور بمسؤولية تدقيق البيانات المالية للشركة وتقديم رأي مهني مستقل حول صحتها. لقد نص قانون الشركات رقم 159 لسنة 1981 في مصر على مجموعة واضحة من الواجبات والمسؤوليات التي تقع على عاتق مراقب الحسابات، بالإضافة إلى القيود التي تضمن استقلاليته وحياديته.
واجبات مراقب الحسابات في الجمعية العامة وتقريره الدوري
تُحدد المادة (106) من القانون المذكور واجبات مراقب الحسابات في سياق الجمعية العامة للشركة، وكذلك المحتوى الإلزامي لتقريره:
- حضور الجمعية العامة ودور المراقب فيها: يُلزم القانون المراقب أو من ينوب عنه من المحاسبين الذين شاركوا في أعمال المراجعة بحضور الجمعية العامة للمساهمين. هذا الحضور ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو جوهري لضمان سير الاجتماع بانتظام وحماية حقوق المساهمين. يجب على المراقب أن يتأكد من صحة الإجراءات التي تم اتباعها في الدعوة للاجتماع، لضمان شرعية القرارات المتخذة. الأهم من ذلك، يقع على عاتق المراقب واجب الإدلاء برأيه في كل ما يتعلق بعمله خلال الاجتماع. يتضمن ذلك، على وجه الخصوص، إبداء رأيه في الموافقة على الميزانية، سواء كان ذلك بتحفظ (مع ذكر أسباب التحفظ) أو دون تحفظ، أو حتى اقتراح إعادتها إلى مجلس الإدارة لمزيد من المراجعة والتصحيح إذا رأى ذلك ضروريًا. يختتم المراقب دوره في الجمعية العامة بتلاوة تقريره أمام المساهمين.
- المحتوى الإلزامي لتقرير مراقب الحسابات: يجب أن يكون التقرير الذي يقدمه مراقب الحسابات شاملًا ويحتوي على بيانات محددة نص عليها القانون واللائحة التنفيذية، بالإضافة إلى سبعة بنود رئيسية تضمن الشفافية والمساءلة:
- مدى الحصول على المعلومات والإيضاحات: يجب أن يوضح التقرير ما إذا كان المراقب قد حصل على جميع المعلومات والإيضاحات التي رآها ضرورية لأداء مهمته بشكل مرضي وكامل. هذا البند يؤكد على تعاون إدارة الشركة مع المراقب.
- انتظام الحسابات والفروع وحسابات التكاليف: يتوجب على المراقب الإفصاح ما إذا كان من رأيه أن الشركة تمسك حسابات منتظمة. وفي حال وجود فروع للشركة لم يتمكن من زيارتها، يجب أن يوضح ما إذا كان قد اطلع على ملخصات وافية عن نشاط هذه الفروع. بالنسبة للشركات الصناعية، يجب أن يبين التقرير ما إذا كانت تمسك حسابات تكاليف منتظمة. هذا يضمن أن الصورة المالية ليست مقتصرة على المركز الرئيسي فقط.
- تطابق الميزانية وحساب الأرباح والخسائر مع الحسابات: يجب أن يؤكد التقرير ما إذا كانت الميزانية وحساب الأرباح والخسائر متفقة مع الحسابات والملخصات التي راجعها المراقب، مما يضمن دقة البيانات المعروضة.
- شمولية الحسابات والمركز المالي الحقيقي: يتعين على المراقب أن يبدي رأيه حول ما إذا كانت الحسابات تتضمن كل ما نص عليه القانون ونظام الشركة على وجوب إثباته. والأهم من ذلك، يجب أن يوضح ما إذا كانت الميزانية تعبر بوضوح عن المركز المالي الحقيقي للشركة في ختام السنة المالية، وما إذا كان حساب الأرباح والخسائر يعبر عن الوجه الصحيح عن أرباح الشركة أو خسائرها عن السنة المالية المنتهية. هذا البند يُعد جوهر تقرير المراقب في إظهار الصورة الحقيقية لأداء الشركة.
- مدى التزام الجرد بالأصول المرعية وتعديلاته: يجب أن يبين التقرير ما إذا كان الجرد قد أُجري وفقًا للأصول المرعية (المعايير المحاسبية المتبعة). كما يجب أن يذكر ما جد من تعديلات في طريقة الجرد التي اتبعت في السنة السابقة، إن كان هناك أي تعديل، لتوضيح أي تغيير في السياسات المحاسبية.
- تطابق بيانات تقرير مجلس الإدارة مع الدفاتر: يتعين على المراقب التأكد من ما إذا كانت البيانات الواردة في تقرير مجلس الإدارة (الذي يُقدم للمساهمين) متفقة مع ما هو وارد بدفاتر الشركة، لضمان الاتساق بين التقارير الإدارية والمالية.
- المخالفات القانونية وأثرها: يجب على المراقب أن يفصح عن ما إذا كانت قد وقعت أثناء السنة المالية مخالفات لأحكام القانون وكان لها تأثير مؤثر في نشاط الشركة أو مركزها المالي. كما يجب أن يوضح ما إذا كانت هذه المخالفات لا تزال قائمة عند إعداد الميزانية، وذلك في حدود المعلومات والإيضاحات التي توافرت لديه. هذا البند يُعزز دور المراقب في الرقابة القانونية.
مسؤولية المراقب وحق المساهمين في المناقشة: يُسأل المراقب عن صحة البيانات الواردة في تقريره، بصفته وكيلاً عن مجموع المساهمين. هذا يعني أن مسؤوليته ليست مقتصرة على الإدارة، بل تمتد إلى جميع الملاك الحقيقيين للشركة. لكل مساهم الحق، أثناء انعقاد الجمعية العامة، في مناقشة تقرير المراقب واستيضاحه عن أي معلومات وردت فيه. هذا الحق يعزز مبدأ الشفافية والمساءلة. تُؤكد هذه المادة على أن المراقب مسؤول أمام المساهمين إذا قصر في أداء المهام اللازمة للإفصاح عن البيانات والمعلومات الجوهرية المحددة.
القيود على عمل مراقب الحسابات بعد انتهاء مهمته (المادة 107)
لم يكتفِ القانون بوضع واجبات المراقب، بل وضع أيضًا قيودًا لضمان استقلاليته ومنع تضارب المصالح حتى بعد انتهاء فترة عمله. نصت المادة 107 من القانون على ما يلي:
- حظر العمل في الشركة بعد ترك المراجعة: لا يجوز لمراقب حسابات الشركة المساهمة، قبل انقضاء ثلاث سنوات من تركه العمل بها، أن يعمل مديرًا أو عضوًا بمجلس الإدارة في نفس الشركة. كما يُحظر عليه أن يشتغل، سواء بصفة دائمة أو مؤقتة، بأي عمل فني أو إداري أو استشاري في الشركة التي كان يقوم بمراجعة حساباتها.
- بطلان التصرفات والعقوبات: يُعتبر باطلًا كل عمل يخالف حكم هذه المادة. وهذا يعني أن أي تعاقد أو تعيين يتم بمخالفة هذا النص يُعد لاغيًا من الناحية القانونية. بالإضافة إلى ذلك، يُلزم المخالف بأن يؤدي إلى خزانة الدولة المكافآت والمرتبات التي صرفت له من الشركة نتيجة هذا العمل المخالف.
- الهدف من العقوبة: تُقرر هذه المادة هذه العقوبات الصارمة على مراقب الحسابات إذا أخل بما ورد فيها، وذلك لأن عمله في الشركة المساهمة قبل مرور ثلاث سنوات على تركه مراجعة حساباتها قد يتسبب في ضرر للآخرين، أو قد يُنظر إليه على أنه كان متواطئًا لتحقيق منافع شخصية له بعد ذلك. تهدف هذه القيود إلى حماية استقلالية مراقب الحسابات ومنع أي شبهة لتضارب المصالح، وبالتالي تعزيز الثقة في تقاريره وضمان عدالة التعاملات في سوق المال.
بهذا، يُبرز قانون الشركات رقم 159 لسنة 1981 الدور المحوري لمراقب الحسابات كحارس للمساءلة المالية والشفافية، من خلال تحديد واجباته بدقة وتفصيل، وفرض قيود صارمة لضمان نزاهته واستقلاليته.
ليست هناك تعليقات